الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

وإنما قال : { عَدُوٌّ لِى } تصويراً للمسألة في نفسه ، على معنى : أني فكرت في أمرى فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أوّلاً وبني عليها تدبير أمره ، لينظروا فيقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ، ليكون ادعى لهم إلى القبول ، وأبعث على الاستماع منه . ولو قال : فإنه عدوّ لكم لم يكن بتلك المثابة ، ولأنّه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للنصوح ما لا يبلغه التصريح ؛ لأنه يتأمّل فيه ، فربما قاده التأمّل إلى التقبل . ومنه ما يحكى عن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت ، لاحتجت إلى أدب ، وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال : ما هو ببيتي ولا بيتكم . والعدوّ والصديق : يجيئان في معنى الوحدة والجماعة . قال :

وَقَوْمٍ عَلَيَّ ذَوِي مِرَّةٍ *** أَرَاهُمْ عَدُوًّا وَكَانُوا صَدِيقَا

ومنه قوله تعالى : { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } [ الكهف : 50 ] شبها بالمصادر للموازنة ، كالقبول والولوع ، والحنين والصهيل { إِلاَّ رَبَّ العالمين } استثناء منقطع ، كأنه قال : ولكن رب العالمين .