قوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي } اللغة الغالبة إفراد «عَدُوّ » وتذكيره ، قال تعالى : { هُمُ العَدُوُّ } [ المنافقون : 4 ] وإنما فعل به ذلك تشبيهاً بالمصادر نحو : «الوَلُوعُ ، والقَبُول »{[37316]} وقد يقال : أعداءٌ ، وعَدُوَّةٌ{[37317]} ، وقوله : «عَدُوٌّ لي » على أصله من غير تقدير مضاف ولا قلب ، لأن العدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والكثرة{[37318]} ، قال الشاعر :
3910 - وَقَوْمٌ عَلَى ذَوِي مِئْرَةٍ *** أَرَاهُمْ عَدُوّاً وَكَانُوا صَدِيقَا{[37319]}
وتقدم الكلام في نظيره عند قوله{[37320]} : «إنَّا رَسُولُ »{[37321]} .
وقيل : المعنى : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي } لو عبدتهم يوم القيامة ، كقوله :
{ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] . ( وقيل : الأصنام لا تُعادى لأنها جماد ، والتقدير : فإن عبادهم عدو لي{[37322]} ){[37323]} . وقيل : بل{[37324]} في الكلام قلب تقديره : فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لهم{[37325]} وهذان مرجوحان لاستقامة الكلام بدونهما ، فإن قيل : لم قال : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي } ولم يقل فإنها عدو لكم ؟ فالجواب : أنه - عليه السلام{[37326]} - صور المسألة في نفسه ، بمعنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه ، فإذا تفكروا وقالوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون أدعى إلى القبول{[37327]} .
قوله : { إِلاَّ رَبَّ العالمين } فيه وجهان :
أحدهما : أنه منقطع ، أي : لكن رب العالمين ليس بعدوٍّ لي{[37328]} . وقال الجرجاني : فيه تقديم وتأخير ، أي : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا ربّ العالمين{[37329]} فإنهم عدو لي ، و «إلاَّ » بمعنى «دُونَ ، وسِوَى »{[37330]} .
والثاني : أنه متصل ، وهو قول الزجاج{[37331]} ، لأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام ، فقال إبراهيم : كل من تبعدون أعداء لي إلا رب العالمين .
وقال الحسن بن الفضل{[37332]} : معناه : إلا من عبد رب العالمين . وقيل : معناه : فإنهم غير معبود لي إلا رب العالمين . ثم وصف معبوده ، وهو قوله : «الذَّي خَلَقَنِي » يجوز فيه أوجه : النصب على النعت ل «رَبّ العَالَمِينَ » ، أو البدل ، أو عطف البيان ، أو على إضمار «أعني »{[37333]} . والرفع على خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو الذي خلقني ، أو على الابتداء . و «فَهُوَ يَهْدِين »{[37334]} جملة اسمية في محل رفع خبراً له{[37335]} .
قال الحوفي : ودخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط{[37336]} . وهذا مردود ، لأن الموصول معيَّنٌ ليس عاماً ، ولأن الصلة لا يمكن فيها التجدد ، فلم يشبه الشرط{[37337]} وتابع أبو البقاء{[37338]} الحوفيَّ ، ولكنه لم يتعرض للفاء ، فإن عنى ما عناه الحوفي فقد تقدم ما فيه ، وإن لم يفعله فيكون تابعاً للأخفش في تجويزه{[37339]} زيادة الفاء في الخبر مطلقاً نحو : «زيدٌ فاضربه »{[37340]} وقد تقدم تجويزه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.