إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

وقوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } بيانٌ لحال ما يعبدونَه بعد التَّنبيهِ على عدم علمِهم بذلك أي فاعلموا أنَّهم أعداءٌ لعابديهم الذين يحبُّونهم كحبِّ الله تعالى لما أنهم يتضرَّرون من جهتهم فوق ما يتضرَّر الرَّجلُ من جهة عدوِّه ، أو لأنَّ مَن يُغريهم على عبادتهم ويحملُهم عليها هو الشَّيطانُ الذي هو أعدى عدوِّ الإنسانِ لكنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ صوَّر الأمر في نفسه تعريضاً بهم فإنَّه أنفعُ في النَّصيحة من التَّصريح وإشعاراً بأنَّها نصيحة بدأ بها نفسَه ليكون أدعى إلى القَبولِ . والعدوُّ والصَّديقُ يجيئانِ في معنى الواحدِ والجمعِ . ومنه قوله تعالى : { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } [ سورة الكهف ، الآية50 ] شبها بالمصادر للموازنةِ كالقبول والولوع والحنين والصَّهيلِ { إِلاَّ رَبَّ العالمين } استثناء منقطع أي لكن ربُّ العالمينَ ليس كذلك بل هو وليّ في الدُّنيا والآخرة لا يزال يتفضَّلُ عليَّ بمنافعهما حسبما يُعرب عنه ما وصفه تعالى به من أحكام الولايةِ ، وقيل متَّصلٌ ، وهو قولُ الزَّجاجِ على أنَّ الضَّميرَ لكلِّ معبود وكان من آبائِهم من عبدَ الله تعالى .