فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

فقال : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } ، ومعنى كونهم عدوًّا له مع كونهم جماداً أنه إن عبدهم كانوا له عدوًّا يوم القيامة . قال الفراء : هذا من المقلوب : أي فإني عدوّ لهم ؛ لأن من عاديته عاداك ، والعدوّ كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث كذا قال الفراء . قال عليّ بن سليمان : من قال عدوّة الله ، فأثبت الهاء ، قال : هي بمعنى المعادية ، ومن قال : عدوّ للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب . وقيل المراد بقوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى } آباؤهم الأقدمون لأجل عبادتهم الأصنام ، وردّ بأن الكلام مسوق فيما عبدوه لا في العابدين ، والاستثناء في قوله : { إِلاَّ رَبَّ العالمين } منقطع : أي لكن ربّ العالمين ليس كذلك ، بل هو وليي في الدنيا والآخرة . قال الزجاج : قال النحويون : هو استثناء ليس من الأوّل ، وأجاز الزجاج أيضاً أن يكون من الأوّل على أنهم كانوا يعبدون الله عزّ وجلّ ، ويعبدون معه الأصنام ، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلاّ الله . قال الجرجاني : تقديره أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلاّ رب العالمين ، فإنهم عدوّ لي ، فجعله من باب التقديم والتأخير ، وجعل إلاّ بمعنى دون وسوى كقوله : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى } [ الدخان : 56 ] أي دون الموتة الأولى . وقال الحسن بن الفضل : إن المعنى إلاّ من عبد ربّ العالمين .