السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

{ فإنهم عدوّ لي } أي : أعداء لي ، وإنما وحده على إرادة الجنس ويجيء العدوّ والصديق في معنى الواحد والجماعة ، قال القائل :

وقوم على ذوي مثرة *** أراهم عدوّاً وكانوا صديقاً

ومنه قوله تعالى : { وهم لكم عدوّ } ( الكهف : 50 ) تشبهاً بالمصادر كالحنين والصهيل ، وقيل : هو من المقلوب أراد أني عدوّ لهم فإنّ من عاديته فقد عاداك ، وقرأ نافع أفرايتم بتسهيل الهمزة التي هي عين الكلمة ، ولورش أيضاً إبدالها ألفاً ، وأسقطها الكسائي ، وحققها الباقون .

فإن قيل : لم قال فإنهم عدوّ لي ولم يقل فإنها عدوّ لكم ؟ أجيب : بأنه عليه السلام صور المسألة في نفسه بمعنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ فاجتنبتها وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه فإذا تفكروا قالوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون ذلك أدعى إلى القبول وأبعث إلى الاستماع منه ، ولو قال فإنهم عدوّ لكم لم يكن بتلك المثابة ولأنه دخل في باب من التعريض وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمّل إلى التقبل ، ومنه ما يحكى عن الشافعيّ رضي الله عنه أن رجلاً واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب ، وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال : ما هو ببيتي ولا ببيتكم ، وقوله { إلا رب العالمين } أي : مدبر هذه الأكوان كلها يصح أن يكون استثناء منقطعاً بمعنى أنهم عدوّ لي لا أعبدهم لكن رب العالمين فإني أعبده ، وأن يكون متصلاً على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله تعالى فكأنه قال إلا رب العالمين فإنه ليس بعدوّي بل هو ولي ومعبودي .