واعلم أنه تعالى لما قدر كمال عظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريقة أخرى تدل أيضا على كمال قدرته وعظمته ، وذلك شرح مقدمات يوم القيامة لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم ، فقال : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } واختلفوا في الصعقة ، منهم من قال إنها غير الموت بدليل قوله تعالى في موسى عليه السلام { وخر موسى صعقا } مع أنه لم يمت ، فهذا هو النفخ الذي يورث الفزع الشديد ، وعلى هذا التقدير فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد ، وهو المذكور في سورة
النمل في قوله { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض } وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين .
والقول الثاني : أن الصعقة عبارة عن الموت والقائلون بهذا القول قالوا إنهم يموتون من الفزع وشدة الصوت ، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات ( أولها ) نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة النمل ( والثانية ) نفخة الصعق ( والثالثة ) نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة .
وأما قوله { إلا من شاء الله } ففيه وجوه ( الأول ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : عند نفخة الصعق يموت من في السموات ومن في الأرض إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم يميت الله ميكائيل وإسرافيل ويبقي جبريل وملك الموت ثم يميت جبريل .
والقول الثاني : أنهم هم الشهداء لقوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش » .
القول الثالث : قال جابر هذا المستثنى هو موسى عليه السلام لأنه صعق مرة فلا يصعق ثانيا .
القول الرابع : أنهم الحور العين وسكان العرش والكرسي .
والقول الخامس : قال قتادة الله أعلم بأنهم من هم ، وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم .
ثم قال تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وفيه أبحاث :
الأول : لفظ القرآن دل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى ، لأن لفظ { ثم } يفيد التراخي ، قال الحسن رحمه الله القرآن دل على أن هذه النفخة الأولى ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أن بينهما أربعين » ولا أدري أربعون يوما أو شهرا أو أربعون سنة أو أربعون ألف سنة .
الثاني : قوله { أخرى } تقدير الكلام ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى ، وإنما حسن الحذف لدلالة أخرى عليها ولكونها معلومة .
الثالث : قوله { فإذا هم قيام } يعني قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء في قوله { فإذا هم } تدل على التعقيب .
الرابع : قوله { ينظرون } وفيه وجهان ( الأول ) ينظرون يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم ( والثاني ) ينظرون ماذا يفعل بهم ، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والخمود في مكان لأجل استيلاء الحيرة والدهشة عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.