مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (63)

ثم قال تعالى : { له مقاليد السماوات والأرض } والمعنى أنه سبحانه مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية ، لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي بيده مقاليدها ، ومنه قولهم : فلان ألقيت مقاليد الملك إليه وهي المفاتيح ، قال صاحب «الكشاف » : ولا واحد لها من لفظها ، وقيل مقليد ومقاليد ، وقيل مقلاد ومقاليد مثل مفتاح ومفاتيح ، وقيل إقليد وأقاليد ، قال صاحب «الكشاف » : والكلمة أصلها فارسية ، إلا أن القوم لما عربوها صارت عربية .

واعلم أن الكلام في تفسير قوله { له مقاليد السموات والأرض } قريب من الكلام في قوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب } وقد سبق الاستقصاء هناك ، قيل سأل عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله { له مقاليد السموات والأرض } فقال : «يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك ، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر ، سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير ، يحيي ويميت هو على كل شيء قدير » هكذا نقله صاحب «الكشاف » .

قوله تعالى : { والذين كفروا بئايات الله أولئك هم الخاسرون } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : صريح الآية يقتضي أنه لا خاسر إلا كافر ، وهذا يدل على أن كل من لم يكن كافرا فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله .

المسألة الثانية : أورد صاحب «الكشاف » سؤالا ، وهو أنه بم اتصل قوله { والذين كفروا } ؟ وأجاب عنه بأنه اتصل بقوله تعالى : { وينجي الله الذين اتقوا } أي ينجي الله المتقين بمفازتهم { والذين كفروا بئايات الله أولئك هم الخاسرون } واعترض ما بينهما أنه خالق للأشياء كلها ، وأن { له مقاليد السموات والأرض } . وأقول هذا عندي ضعيف من وجهين ( الأول ) أن وقوع الفاصل الكبير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد ( الثاني ) أن قوله { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم } جملة فعلية ، وقوله { والذين كفروا بئايات الله أولئك هم الخاسرون } جملة إسمية ، وعطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية لا يجوز ، بل الأقرب عندي أن يقال إنه لما وصف الله تعالى نفسه بالصفات الإلهية والجلالية ، وهو كونه خالقا للأشياء كلها ، وكونه مالكا لمقاليد السموات والأرض بأسرها ، قال بعده : { والذين كفروا } بهذه الآيات الظاهرة الباهرة { أولئك هم الخاسرون } .