فلما ذكر الله هذا الوعيد أردفه بالوعد فقال : { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم } الآية ، قال القاضي المراد به من اتقى كل الكبائر إذ لا يوصف بالاتقاء المطلق إلا من كان هذا حاله ، فيقال له : أمرك عجيب جدا فإنك قلت لما تقدم قوله تعالى : { لو أن الله هداني لكنت من المتقين } وجب أن يحمل قوله ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } على الذين قالوا { لو أن الله هداني } فعلى هذا القانون لما تقدم قوله { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } .
ثم قال تعالى بعده { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم } وجب أن يكون المراد هم الذين اتقوا ذلك الكذب ، فهذا يقتضي أن كل من لم يتصف بذلك الكذب أنه يدخل تحت ذلك الوعد المذكور بقوله { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم } وأن يكون قولك { الذين اتقوا } المراد منه من اتقى كل الكبائر فاسدا ، فثبت أن التعصب يحمل الرجل العاقل على الكلمات المتناقضة ، بل الحق أن تقول المتقي هو الآتي بالاتقاء ، والآتي بالاتقاء في صورة واحدة آت بمسمى الاتقاء ، وبهذا الحرف قلنا الأمر المطلق لا يفيد التكرار ، ثم ذلك الاتقاء غير مذكور بعينه في هذه اللفظة فوجب حمله على الاتقاء عن الشيء الذي سبق ذكره وهذا هو الكذب على الله تعالى ، فثبت أن ظاهر الآية يقتضي أن من اتقى عن تلك الصفة وجب دخوله تحت هذا الوعد الكريم .
ثم قال تعالى : { بمفازتهم } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «بمفازاتهم » على الجمع ، والباقون بمفازتهم على التوحيد ، وحكى الواحدي عن الفراء أنه قال : كلاهما صواب ، إذ يقال في الكلام قد تبين أمر القوم وأمور القوم ، قال أبو علي الفارسي : الإفراد للمصدر ووجه الجمع أن المصادر قد تجمع إذا اختلفت أجناسها ، كقوله تعالى :
{ وتظنون بالله الظنونا } ولا شك أن لكل متق نوعا آخر عن المفازة .
المسألة الثانية : المفازة مفعلة من الفوز وهو السعادة ، فكأن المعنى أن النجاة في القيامة حصلت بسبب فوزهم في الدنيا بالطاعات والخيرات ، فعبر عن الفوز بأوقاتها ومواضعها .
ثم قال : { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } والمراد أنه كالتفسير لتلك النجاة ، كأنه قيل كيف ينجيهم ؟ فقيل : { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } وهذه كلمة جامعة لأنه إذا علم أنه لا يمسه السوء كان فارغ البال بحسب الحال عما وقع في قله بسبب فوات الماضي ، فحينئذ يظهر أنه سلم عن كل الآفات ، ونسأل الله الفوز بهذه الدرجات بمنه وكرمه .
المسألة الثالثة : دلت الآية على أن المؤمنين لا ينالهم الخوف والرعب في القيامة ، وتأكد هذا بقوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.