ثم أجاب الله تعالى عن كلامهم بأن قال بفقد الهداية باطل ، لأن الهداية كانت حاضرة والأعذار زائلة وهو المراد بقوله { بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : قال الزجاج بلى جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي إلا أنه حصل فيه معنى النفي ، لأن معنى قوله { لو أن الله هداني } أنه ما هداني ، فلا جرم حسن ذكر لفظة { بلى } بعده .
المسألة الثانية : قال الواحدي رحمه الله : القراءة المشهورة واقعة على التذكير في قوله { بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } لأن النفس تقع على الذكر والأنثى فخوطب المذكر ، وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على التأنيث ، قال أبو عبيد لو صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان حجة لا يجوز لأحد تركها ولكنه ليس بمسند ، لأن الربيع لم يدرك أم سلمة ، وأما وجه التأنيث فهو أنه ذكر النفس ، ولفظ النفس ورد في القرآن في أكثر الأمر على التأنيث بقوله { سولت لي نفسي } و { إن النفس لأمارة بالسوء } و { يا أيتها النفس المطمئنة } .
المسألة الثالثة : قال القاضي هذه الآيات دالة على صحة القول بالقدر من وجوه الأول : أنه لا يقال : فلان أسرف على نفسه على وجه الذم إلا لما يكون من قبله ، وذلك يدل على أن أفعال العباد تحصل من قبلهم لا من قبل الله تعالى ، ( وثانيها ) أن طلب الغفران والرجاء في ذلك أو اليأس لا يحسن إلا إذا كان الفعل فعل العبد ، ( وثالثها ) إضافة الإنابة والإسلام إليه من قبل أن يأتيه العذاب وذلك لا يكون إلا مع تمكنه من محاولتهما مع نزول العذاب ، ومذهبهم أن الكافر لم يتمكن قط من ذلك ( ورابعها ) قوله تعالى : { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } وذلك لا يتم إلا بما هو المختار لل?تباع ( وخامسها ) ذمه لهم على أنهم لا يشعرون بما يوجب العذاب وذلك لا يصح إلا مع التمكن من الفعل ، ( وسادسها ) قولهم { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } ولا يتحسر المرء على أمر سبق منه إلا وكان يصح منه أن يفعله ، ( وسابعها ) قوله تعالى : { على ما فرطت في جنب الله } ومن لا يقدر على الإيمان كما يقول القوم ولا يكون الإيمان من فعله لا يكون مفرطا ، ( وثامنها ) ذمه لهم بأنهم من الساخرين ، وذلك لا يتم إلا أن تكون السخرية فعلهم وكان يصح منهم أن لا يفعلوه ، ( وتاسعها ) قوله { لو أن الله هداني } أي مكنني { لكنت من المتقين } وعلى هذا قولهم إذا لم يقدر على التقوى فكيف يصح ذلك منه ، ( وعاشرها ) قوله { لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } وعلى قولهم لو رده الله أبدا كرة بعد كرة ، وليس فيه إلا قدرة الكفر لم يصح أن يكون محسنا ، ( والحادي عشر ) قوله تعالى موبخا لهم { بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } فبين تعالى أن الحجة عليهم لله لأن الحجة لهم على الله ، ولو أن الأمر كما قالوا لكان لهم أن يقولوا : قد جاءتنا الآيات ولكنك خلقت فينا التكذيب بها ولم تقدرنا على التصديق بها . والثاني عشر : أنه تعالى وصفهم بالتكذيب والاستكبار والكفر على وجه الذم ولو لم تكن هذه الأشياء أفعالا لهم لما صح الكلام ، والجواب عنه أن هذه الوجوه معارضة ، بما أن القرآن مملوء من أن الله تعالى يضل ويمنع ويصدر منه اللين والقسوة والاستدراج ، ولما كان هذا التفسير مملوءا منه لم يكن إلى الإعادة حاجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.