مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

ثم قال تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } واعلم أن الكلام التام مع الدلائل القوية ، والجواب عن الشبهات في مسألة الإحباط قد ذكرناه في سورة البقرة فلا نعيده ، قال صاحب «الكشاف » قرئ { ليحبطن عملك } على البناء للمفعول وقرئ بالياء والنون أي : ليحبطن الله أو الشرك وفي الآية سؤالات :

السؤال الأول : كيف أوحي إليه وإلى من قبله حال شركه على التعيين ؟ والجواب تقدير الآية : أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك ، وإلى الذين من قبلك مثله أو أوحي إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت ، كما تقول كسانا حلة أي كل واحد منا .

السؤال الثاني : ما الفرق بين اللامين ؟ الجواب الأولى : موطئة للقسم المحذوف والثانية : لام الجواب .

السؤال الثالث : كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم ؟ والجواب أن قوله { لئن أشركت ليحبطن عملك } قضية شرطية والقضية الشرطية لا يلزم من صدقها صدق جزأيها ألا ترى أن قولك لو كانت الخمسة زوجا لكانت منقسمة بمتساويين قضية صادقة مع أن كل واحد من جزأيها غير صادق ، قال الله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ولم يلزم من هذا صدق القول بأن فيهما آلهة وبأنهما قد فسدتا .

السؤال الرابع : ما معنى قوله { ولتكونن من الخاسرين } ؟ والجواب كما أن طاعات الأنبياء والرسل أفضل من طاعات غيرهم ، فكذلك القبائح التي تصدر عنهم فإنها بتقدير الصدور تكون أقبح لقوله تعالى : { إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } فكان المعنى ضعف الشرك الحاصل منه ، وبتقدير حصوله منه يكون تأثيره في جانب غضب الله أقوى وأعظم .