مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

ثم قال : { أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين } وعنى بكونه مهينا كونه فقيرا ضعيف الحال ، وبقوله { ولا يكاد يبين } حبسة كانت في لسانه ، واختلفوا في معنى أم هاهنا فقال أبو عبيدة مجازها بل أنا خير ، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله { أفلا تبصرون } ثم ابتدأ فقال : { أم أنا خير } بمعنى بل أنا خير ، وقال الباقون أم هذه متصلة لأن المعنى { أفلا تبصرون } أم تبصرون إلا أنه وضع قوله { أنا خير } موضع تبصرون ، لأنهم إذا قالوا له أنت خير فهم عنده بصراء ، وقال آخرون إن تمام الكلام عند قوله { أم } وقوله { أنا خير } ابتداء الكلام والتقدير { أفلا تبصرون } أم تبصرون لكنه اكتفى فيه بذكر «أم » كما تقول لغيرك : أتأكل أم . أي أتأكل أم لا تأكل ، تقتصر على ذكر كلمة أم إيثارا للاختصار فكذا هاهنا ، فإن قيل أليس أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى أن يزيل الرتة عن لسانه بقوله { واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } فأعطاه الله تعالى ذلك بقوله { قد أوتيت سؤلك يا موسى } فكيف عابه فرعون بتلك الرتة ؟ والجواب : عنه من وجهين : ( الأول ) أن فرعون أراد بقوله { ولا يكاد يبين } حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام ( والثاني ) أنه عابه بما كان عليه أولا ، وذلك أن موسى كان عند فرعون زمانا طويلا وفي لسانه حبسة ، فنسبه فرعون إلى ما عهده عليه من الرتة لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عنه .