سورة   الزخرف
 
السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

{ أم أنا خير } أي : مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء { من هذا } وكنى بإشارة القريب عن تحقيره ثم وصفه بما يبين مراده بقوله : { الذي هو مهين } أي : ضعيف حقير ذليل لأنه يتعاطى أموره بنفسه وليس له ملك ولا قوى يجري بها نهراً ولا ينفذ بها أمراً { ولا يكاد يبين } أي : لا يقرب من أن يعرب عن معنى من المعاني لما في لسانه من الحبسة ، فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان ليستجلب القلوب وينعش الألباب فتكثر أتباعه ويضخم أمره ، وقد كذب في جميع قوله فقد كان موسى عليه السلام أبلغ أهل زمانه قولاً وفعلاً بتقدير الله تعالى الذي أرسله له وأمره إياه ولكن اللعين أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلاً لاتباعه لأن موسى عليه السلام ما دعا بإزالة جميع حبسته بل بعقدة منها فإنه قال { واحلل عقدة من لساني ( 27 ) يفقهوا قولي } ( طه : 27 28 ) .

تنبيه : في أم من قوله أم أنا خير أقوال ؛ أحدها : أنها منقطعة فتقدر ببل التي لإضراب الانتقال وبالهمزة التي للإنكار ، والثاني : أنها بمعنى بل فقط كقوله :

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى *** وصورتها أم أنت في العين أملح

أي : بل أنت .

الثالث : أنها منقطعة لفظاً متصلة معنى قال أبو البقاء : أم هنا منقطعة في اللفظ لوقوع الجملة بعدها في اللفظ وهي في المعنى متصلة معادلة إذ المعنى : أنا خير منه أم لا وأينا خير ، قال ابن عادل : وهذه عبارة غريبة أن تكون منقطعة لفظاً متصلة معنى وذلك أنهما معنيان مختلفان فإن الانقطاع يقتضي إضراباً إما إبطالاً وإما انتقالاً .