قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } : في " أم " أقوالٌ ، أحدها : أنها منقطعةٌ ، فتتقدَّرُ ب بل التي لإِضرابِ الانتقال ، وبالهمزة التي للإِنكار . والثاني : أنها بمعنى بل فقط ، كقوله :
4001 بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَق الضُّحى *** وصورتِها أم أنتِ في العينِ أَمْلَحُ
أي : بل أنتِ . الثالث : أنها منقطعةٌ لفظاً ، متصلةٌ معنىً . قال أبو البقاء : " أمْ هنا منقطعةٌ في اللفظ لوقوع الجملةِ بعدَها في اللفظ ، وهي في المعنى متصلةٌ معادِلةٌ ؛ إذ المعنى : أنا خيرٌ منه أم لا ، وأيُّنا خيرٌ " وهذه عبارةٌ غريبةٌ : أن تكونَ منقطعةً لفظاً ، متصلةً معنى ، وذلك أنهما معنيان مختلفان ؛ فإن الانقطاعَ يَقْتضي إضراباً : إمَّا إبطالاً ، وإمّا انتقالاً . الرابع : أنها متصلةٌ ، والمعادِلُ محذوفٌ تقديره : أم تُبْصِرون . وهذا لا يجوزُ إلاَّ إذا كانت " لا " بعد أم نحو : أتقومُ أم لا ؟ أي : أم لا تقوم . وأزيدٌ عندك أم لا ؟ أي : أم لا هو عندك . أمَّا حَذْفُه دون " لا " فلا يجوزُ ، وقد جاء حَذْفُ " أم " مع المعادِلِ وهو قليلٌ جداً . قال الشاعر :
4002 دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِها *** سميعٌ فلا أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها
أي : أم غَيٌّ . وكان الشيخ قد نقل عن سيبويه أنَّ هذه هي " أم " المعادِلَةُ أي : أم تُبْصِرُون الأمرَ الذي هو حقيقٌ أَنْ يُبْصَرَ عنده ، وهو أنَّه خيرٌ مِنْ موسى . قال : " وهذا القولُ بدأ به الزمخشريُّ فقال : " أم/ هذه متصلة لأنَّ المعنى : أفلا تُبْصِرون أم تُبْصرون ، إلاَّ أنه وَضَعَ قولَه : " أنا خيرٌ " موضعَ " تُبْصِرون " ؛ لأنهم إذا قالوا : أنت خيرٌ ، فهم عنده بُصَراءُ ، وهذا من إنزالَ السببِ منزلةَ المسبب " . قال الشيخ : " وهذا متكلَّفٌ جداً ؛ إذ المعادِلُ إنما يكونُ مقابلاً للسابقِ . فإن كان المعادِلُ جملةً فعليةً كان السابقُ جملةً فعليةً أو جملةً اسميةً يتقدَّر منها فعليةٌ ، كقوله : { أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } [ الأعراف : 193 ] لأنَّ معناه : أم صَمَتُّم ، وهنا لا تتقدَّرُ منها جملةٌ فعليةٌ ؛ لأنَّ قولَه : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } ليس مقابلاً لقولِه : " أفلا تُبْصِرون " . وإن كان السابقُ اسماً كان المعادِلُ اسماً ، أو جملةً فعليةً يتقدَّر منها اسمٌ نحو قولِه :
4003 أمُخْدَجُ اليدَيْنِ أم أَتَمَّتِ ***
ف " أتمَّت " معادِلٌ للاسم ، فالتقديرُ : أم مُتِمًّا " قلت : وهذا الذي رَدَّه على الزمخشريِّ رَدٌّ على سيبويه ؛ لأنه هو السابقُ به ، وكذا قولُه أيضاً : إنه لا يُحْذَفُ المعادِلُ بعد " أم " إلاَّ وبعدها " لا " فيه نظرٌ ؛ من حيث تجويزُ سيبويه حَذْفُ المعادِلِ دون " لا " فهو رَدٌّ على سيبويهِ أيضاً .
[ قوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ ، وأَنْ تكونَ مستأنفةً ، وأن تكونَ حالاً ] . والعامَّة على " يُبين " مِنْ أبان ، والباقر " يَبين " بفتحِها مِنْ بان أي : ظهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.