قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } في أم هذه أقوال :
أحدها : أنها منقطعة{[49939]} ، فتقدر ب «بَلْ » التي لإضراب الانتقال ، وبالهمزة التي للإنكار .
والثاني : أنها بمعنى بل فقط{[49940]} ، كقوله :
4411 بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رُوْنَقِ الضُّحَى *** وَصُورَتُهَا أَمْ أَنْتِ فِي العَيْنِ أَمْلَحُ{[49941]}
الثالث : أنها منقطعة لفظاً متصلة معنى{[49942]} . قال أبو البقاء : «أم هنا منقطعة في اللفظ لوقوع الجملة بعدها في اللفظ ، وهي في المعنى متصلة معادلة ؛ إذ المعنى أنا خير منه أم لا ؟ وأينا خير{[49943]} ؟ » وهذه عبارة غريبة أن تكون منقطعة لفظاً متصلة معنى وذلك أنهما مَعْنيَانِ مختلفان ، فَإِنَّ الانقطاع يقتضي إضْراباً إما إبْطالاً ، وإِما انتقالا{[49944]} .
الرابع : أنها متصلة ، والمعادل محذوف ، تقديره : أَمْ تُبْصِرُونَ ؟ وهذا لا يجوز إلا إذا كانت «لا » بعد «أم » ، نحو : أتقوم أم لا ؟ أي أم لا تقوم ، وأزيد عندك أم لا ؟ أي أم لا هو عندك أما حذفه دون معادل فلا يجوز . وقد جاء حذف «أم » مع المعادل ، وهو قليل جداً ، قال الشاعر{[49945]} :
4412 دَعَانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِني لأَمْرِهَا *** سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا{[49946]} ؟
ونقل أبو حيان عن سيبويه أن هذه هي أم المعادلة ، أي أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يُبْصَر عنده وهو أنه خير من موسى{[49947]} .
قال : وهذا القول بدأ به الزمخشري فقال : أم هذه متصلة ؛ لأن المعنى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ أمْ تُبْصِرُونَ ؟ إلا أنه وضع قوله : «أنا خير » موضع «تبصرون » لأنهم إذا قالوا : أنت خير فَهُمْ عنده بصراء ، وهذا من إنزال السبب منزلة المُسَبَّب{[49948]} .
قال أبو حيان : وهذا متكلف جداً ، إذ المعادل إنما يكون مقابلاً للسابق فإن كان المعادل جملة فعلية ، كان السابق جملة فعلية ، أو جملة إسمية يتقدر منها جملة فعلية ، كقوله : { أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } [ الأعراف : 193 ] ؛ لأن معناه أو صمتُّم وهنا لا يتقدر منها جملة فعلية لأن قَوْلَهُ : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } ليس مقابلاً لقوله : أفَلا تُبْصِرُونَ ، وإن كان السابق اسماً كان المعادل اسماً أو جملة فعلية يتقدر منها اسم نحو قوله :
4413 اَمُخْدَجُ{[49949]} اليَدَيْنِ أَمْ أَتَمَّتِ ؟ *** . . .
«فأتمت » معادل للاسم والتقدير : أم مُتِمًّا ؟{[49950]} .
قال شهاب الدين : وهذا الذي رده على الزمخشري رده على سيبويه ، لأنه هو السابق به وكذا قوله أيضاً : إنه لا يحذف المعادل بعد «أم » وبعدها «لا » فيه نظر في تجويز سيبويه حذف المعادل دون لا فهو رد على سيبويه أيضاً{[49951]} .
قوله : «ولا يكاد يبين » هذه الجملة يجوز أن تكون معطوفة على الصلة وأن تكون مستأنفة وأن تكون حالاً{[49952]} . والعامة على يُبِينُ من أَبَانَ ، والباقون : يَبِينُ بفتح الياء من بَانَ أي ظَهَرَ{[49953]} .
قال أكثر المفسرين : «أم » هنا بمعنى «بل » وليس بحرف عطف{[49954]} . قال الفراء : الوقف على قوله أم وفيه إضمار مجاز( ه ) أفلا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ ؟ لكنه اكتفى بلفظ «أم » كما تقول لغيرك : «أَتَأْكُلُ أَمْ » أي أَتَأْكُلُ أَمْ لاَ تَأْكُلُ ؟ لكنك تقتصر على كلمة أم اقتصاراً{[49955]} .
قال أبو عُبَيْدَة : معناها بل أنا خير{[49956]} ، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله : أفلا تبصرون . ثم ابتدأ فقال : أم أنا خير ، يعنى بل أنا خير . وقال الباقون أم هذه متصلة ، لأن المعنى أفلا تُبْصرُونَ أَمْ تُبْصُرونَ ؟ إلا أنه وضع قوله : «أنا خير » موضع : «تبصرون » ، لأنهم إذا قالوا له : أََنْتَ خَيْرٌ فَهُمْ عِنْدَهُ بُصَراءُ{[49957]} .
قوله : { مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ } أي ضعيف حقير يعني موسى { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أَيْ يُفْصِحُ لسانُهُ لرُتّةٍ{[49958]} كَانَتْ فِي لِسَانِهِ .
فإن قيل : أليس أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل الله أن يُزيل الرُّتةَ عن لسانه بقوله : { واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 27 ، 28 ] فأعطاه الله ذلك بقوله تعالى : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى } [ طه : 36 ] فكيف عابه فرعون بتلك الرُّتةِ ؟ ! .
الأول : أن فرعون أراد بقوله : «ولا يكاد يبين » حجته التي تدل على صدقه ، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام .
والثاني : أنه عابه بما كان عليه أولاً ، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام مكث عند فرعون زماناً طويلاً ، وكان في لسانه حبسة فنسبه فرعون إلى ما عهد عليه من الرُّتةِ ؛ لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عَنْهُ{[49959]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.