إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (22)

{ وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق } استئنافٌ مقررٌ لما سبقَ من الحكمِ ، فإنَّ خلقَ الله تعالى لَهُما وَلِما فيهما بالحقِّ المُقتضِي للعدلِ يستدعِي لا محالةَ تفضيلَ المُحْسنِ على المُسيءِ في المَحْيا والمَمَاتِ وانتصارَ المظلومِ من الظالمِ ، وإذَا لم يطّردْ ذلك في المَحيا فهُو بعد المماتِ حَتْماً { ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } عطفٌ عَلى بالحقِّ ؛لأنَّ فيهِ مَعْنى التعليلِ إذْ معناهُ خلَقَها مقرونةً بالحكمةِ والصوابِ دُونَ العبثِ والباطلِ فحاصلُه خلقَها لأجلِ ذلكَ ولتُجزَى الخ أو على علةٍ محذوفةٍ مثلُ ليدلَّ بَها على قدرتِه أو ليعدل ولتُجزى { وَهُمْ } أي النفوسُ المدلولُ عليها بكلِّ نفسٍ { لاَ يُظْلَمُونَ } بنقصِ ثوابٍ أو بزيادةِ عقابٍ ، وتسميةُ ذلكَ ظُلماً معَ أنَّه ليسَ كذلكَ على ما عُرفَ من قاعدةِ أهلِ السنةِ لبيانِ غايةِ تنزهِ ساحةِ لُطفهِ تعالى عمَّا ذُكرَ تنزيلُه منزلةَ الظلمِ الذي يستحيلُ صدورُه عنْهُ تعالَى .