مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (57)

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } .

اعلم أنه تعالى نهى في الآية المتقدمة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وساق الكلام في تقريره ، ثم ذكر هاهنا النهي العام عن موالاة جميع الكفار وهو هذه الآية ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو والكسائي { الكفار } بالجر عطفا على قوله { من الذين أوتوا الكتاب } ومن الكفار ، والباقون بالنصب عطفا على قوله { الذين اتخذوا } بتقدير : ولا الكفار .

المسألة الثانية : قيل : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإيمان ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية .

المسألة الثالثة : هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة ، وقوله { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } صريح في كونهم كفارا ، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر ، والله أعلم .

المسألة الرابعة : معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب ، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة { وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن } والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزوا وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصارا وأحبابا ، فإن ذلك الأمر خارج عن العقل والمروءة .