البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (57)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤاً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء } قال ابن عباس : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقاً ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت .

ولما نهى تعالى المؤمنين عن اتخاذ الكفار والنصارى أولياء ، نهى عن اتخاذ الكفار أولياء يهوداً كانوا أو نصارى ، أو غيرهما .

وكرر ذكر اليهود والنصارى بقوله : من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، وإن كانوا مندرجين في عموم الكفار على سبيل النص على بعض أفراد العام لسبقهم في الذكر في الآيات قبل ، ولأنه أوغل في الاستهزاء ، وأبعد انقياداً للإسلام ، إذ يزعمون أنهم على شريعة إلهية .

ولذلك كان المؤمنون من المشركين في غاية الكثرة ، والمؤمنون من اليهود والنصارى في غاية القلة .

وقيل : أريد بالكفار المشركون خاصة ، ويدل عليه قراءة عبد الله : ومن الذين أشركوا .

قال ابن عطية : وفرقت الآية بين الكفار وبين الذين أوتوا الكتاب ، من حيث الغالب في اسم الكفر أن يقع على المشركين بالله إشراك عبادة الأوثان ، لأنّهم أبعد شأواً في الكفر .

وقد قال : { جاهد الكفار والمنافقين } ففرق بينهم إرادة البيان .

والجميع كفار ، وكانوا عبدة الأوثان ، هم كفار من كل جهة .

وهذه الفرق تلحق بهم في حد الكفر ، وتخالفهم في رتب .

فأهل الكتاب يؤمنون بالله وببعض الأنبياء ، والمنافقون يؤمنون بألسنتهم انتهى .

وقال الزمخشري : وفصل المستهزئين بأهل الكتاب على المشركين خاصة انتهى .

ومعنى الآية : أنّ من اتخذ دينكم هزواً ولعباً لا يناسب أنْ يتخذ ولياً ، بل يعادي ويبغض ويجانب .

واستهزاؤهم قيل : بإظهار الإسلام ، وإخفاء الكفر .

وقيل : بقولهم للمسلمين : احفظوا دينكم ودوموا عليه فإنه الحق ، وقول بعضهم لبعض : لعبنا بعقولهم وضحكنا عليهم .

وقال ابن عباس : ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم ، وتقدم القول في القراءة في هزؤاً .

وقرأ النحويان : والكفار خفضاً .

وقرأ أبي : ومن الكفار بزيادة من .

وقرأ الباقون : نصباً وهي رواية الحسين الجعفي عن أبي عمرو ، وإعراب الجر والنصب واضح .

{ واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } لما نهى المؤمنون عن اتخاذهم أولياء ، أمرهم بتقوى الله ، فإنها هي الحاملة على امتثال الأوامر واجتناب النواهي .

أي : اتقوا الله في موالاة الكفار ، ثم نبه على الوصف الحامل على التقوى وهو الإيمان أي : من كان مؤمناً حقاً يأبى موالاة أعداء الدّين .