مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

ثم قال تعالى : { ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين }

فيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر { يقول } بغير واو ، وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والشام ، والباقون بالواو ، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق . قال الواحدي رحمه الله : وحذف الواو هاهنا كإثباتها ، وذلك لأن في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها ، فإن الموصوف بقوله { يسارعون فيهم } هم الذين قال فيهم المؤمنون { أهؤلاء الذين أقسموا بالله } فلما حصل في كل واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن العطف بالواو وبغير الواو ، ونظيره قوله تعالى : { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم } لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر ما تقدم أغنى ذلك عن ذكر الواو ، ثم قال : { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } فأدخل الواو ، فدل ذلك على أن حذف الواو وذكرها جائز . وقال صاحب الكشاف : حذف الواو على تقدير أنه جواب قائل يقول : فماذا يقول المؤمنون حينئذ ؟ فقيل : يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا . واختلفوا في قراءة هذه الآية من وجه آخر ، فقرأ أبو عمرو { ويقول الذين ءامنوا } نصبا على معنى : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وأما من رفع فإنه جعل الواو لعطف جملة على جملة ، ويدل على قراءة الرفع قراءة من حذف الواو .

المسألة الثانية : الفائدة في أن المؤمنين يقولون هذا القول هو أنهم يتعجبون من حال المنافقين عندما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى ، وقالوا : إنهم يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم معنا ومن أنصارنا ، فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا محبين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم ؟

المسألة الثالثة : قوله { حبطت أعمالهم } يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ، والمعنى ذهب ما أظهروه من الإيمان ، وبطل كل خير عملوه لأجل أنهم الآن أظهروا موالاة اليهود والنصارى ، فأصبحوا خاسرين في الدنيا والآخرة ، فإنه لما بطلت أعمالهم بقيت عليهم المشقة في الإتيان بتلك الأعمال ، ولم يحصل لهم شيء من ثمراتها ومنافعها ، بل استحقوا اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة .