إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (57)

{ يا أيها الذين آمنوا لاَ تَتَّخِذُوا الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } رُوي ( أن رُفاعةَ بنَ زيد وسويدَ بنَ الحارث ، أظهرا الإسلامَ ثم نافقا ، وكان رجالٌ من المؤمنين يُوادُّونهما ) فنُهوا عن موالاتهما ، ورُتِّب النهيُ على وصف يعمُّهما وغيرَهما تعميماً للحكم وتنبيهاً على العلة وإيذاناً بأن مَنْ هذا شأنُه جديرٌ بالمعاداة فكيف بالموالاة ؟ { مِنَ الذين أُوتُوا الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } بيان للمستهزئين ، والتعرّضُ لعنوان إيتاءِ الكتاب لبيان كمال شناعتِهم وغايةِ ضلالتهم ، لِما أنَّ إيتاءَ الكتاب وازعٌ لهم عن الاستهزاء بالدين المؤسَّسِ على الكتابِ المصدِّقِ لكتابهم { والكفار } أي المشركين خُصّوا به لتضاعُفِ كفرهم ، وهو عطف على الموصول الأول ففيه إشعارٌ بأنهم ليسوا بمستهزئين كما يُنبئُ عنه تخصيصُ الخطاب بأهل الكتاب في قوله تعالى : { يا أهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا } [ المائدة ، الآية 59 ] الآية ، وقرئ بالجر عطفاً على الموصول الأخير ويعضُده قراءةُ أُبيٍّ { وَمِن الكفار } وقراءةُ عبدِ اللَّه { وَمِنَ الذين أَشْرَكُوا } [ البقرة ، الآية 96 . وسورة آل عمران ، الآية 186 ] فهم أيضاً من جملة المستهزئين { أَوْلِيَاء } وجانبوهم كلَّ المجانبة . { واتقوا الله } في ذلك بترك موالاتهم أو بترك المَناهي على الإطلاق فيدخل فيه تركُ موالاتِهم دخولاً أولياً { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي حقاً ، فإن قضيةَ الإيمان توجب الاتقاءَ لا محالة .