الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (57)

{ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ } إلى قوله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، يعني عبد اللّه بن أُبي بن سلول إلى قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } يعني عبادة بن الصامت ، وأصحاب رسول اللّه ثم قال : ولو كانوا يؤمنون باللّه ورسوله وما أُنزل إليه ، ما اتخذوه أولياء ، وقال بعض المفسّرين : لما أراد رسول اللّه أن يقتل يهود بني قينقاع حين نقضوا العهد ، وكانوا حلفاً لعبد اللّه بن أبي سلول وسعد بن عبادة بن الصامت ، فأما عبد اللّه بن أُبي فعظم ذلك عليه ، وقال : ثلاثمائة دارع وأربعمائة منعوني من الأسود والأحمر أفأدعك تجدهم في غداة واحدة ، وأما سعد وعبادة فقالا : إنا برآء إلى اللّه وإلى رسوله من حلفهم وعهدهم فأنزل اللّه هذه الآية .

وقال جابر بن عبد اللّه : " جاء عبد اللّه بن سلام إلى النبي ( عليه السلام ) فقال : يا رسول اللّه إن قومنا من قريظة والنضير ، قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل وشكى ما يلقى من اليهود من الأذى . فنزلت الآية فقرأها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : رضينا باللّه ورسوله وبالمؤمنين أخوة " على هذا التأويل أراد بقوله ( راكعون ) صلاة التطوع بالليل والنهار .

قال ابن عباس ، وقال السدي ، وعتبة بن حكيم ، وثابت بن عبد اللّه : إنما يعني بقوله { وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } الآية . علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) مرّ به سائل وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه .

أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد ، أبو محمد عبد اللّه بن أحمد الشعراني ، أبو علي أحمد بن علي بن زرين ، المظفر بن الحسن الأنصاري ، السدي بن علي العزاق ، يحيى بن عبد الحميد الحماني عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عبادة بن الربعي ، قال : " بينا عبد اللّه بن عباس جالس على شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمم بالعمامة فجعل ابن عباس لا يقول ، قال رسول اللّه : إلاّ قال الرجل : قال رسول الله ؟ فقال ابن عباس : سألتك باللّه من أنت ؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جُندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول اللّه يوماً من الأيام صلاة الظهر فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد إني سألت في مسجد رسول اللّه فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال : " اللهم إن أخي موسى سألك ، فقال : { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [ طه : 25-31 ] الآية ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } [ القصص : 35 ] اللهم وأنا محمد نبيّك وصفيّك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أُشدد به ظهري " .

قال أبو ذر : فواللّه ما استتم رسول اللّه الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند اللّه ، فقال : يا محمد إقرأ ، فقال : وما أقرأ ؟ قال : إقرأ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } ، إلى { رَاكِعُونَ } " .

سمعت أبا منصور الجمشادي ، سمعت محمد بن عبد اللّه الحافظ ، سمعت أبا الحسن علي بن الحسن ، سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي ، سمعت محمد بن منصور الطوسي ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

أبو عبد اللّه بن فنجويه ، عمر بن الخطاب ، إبراهيم بن سهلويه ، محمد بن رجاء العباداني . حدّثني عمر بن أبي إبراهيم ، حدّثني المبارك بن سعيد وعمار بن محمد عن سفيان عن أبيه عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } الآيتان الخبر .

عن محمد بن عبد اللّه ، أحمد بن محمد بن إسحاق البستي ، حامد بن شعيب ، شريح بن يونس ، هشيم بن عبد الملك قال : سألت أبا جعفر عن قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } قال : هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ } يعني أنصاري من اللّه .

قال الراجز :وكيف أضوي وبلال حزبي

أي ناصري .

{ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } الآية .

قال الكلبي : كان منادي رسول اللّه إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها ، قالت اليهود : قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا ، ركعوا لا ركعوا ، سجدوا لا سجدوا ، على طريق الاستهزاء والضحك ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .

قال السدي : نزلت في رجل من النصارى كان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن محمداً رسول اللّه ، قال : أحرق اللّه الكاذب ، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فتطاير منها شرارة في البيت فأحرق البيت وأحرق هو وأهله .

وقال الآخرون : إن الكفار لما سمعوا الأذان كذبوا رسول اللّه والمسلمين على ذلك فدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد لقد ابتدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية فإن كنت تدّعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياءَ قبلك ولو كان في هذا الأمر خير لكان بادئ ما تركه الناس بعد الأنبياء والرسل قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر ، فأنزل اللّه هذه الآية .

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً } [ فصلت : 33 ] .

فأما بعد الأذان . قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر ، أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، زياد بن أيوب وأبو بكر بن أبي النضير الأسدي ، حجاج بن محمد قال : قال ابن جريح عن نافع عن ابن عمر أبو الحسين قال : أبو العباس السراج ، محمد بن سهيل بن عسكر ، أبو سعيد الحداد ، خالد بن عبد اللّه الواسطي ، عن عبد الرحمن بن [ يحيى ] عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وحديث عن الحسن بن شقيق ، إسماعيل بن عبيد الخزاعي ، محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري عن أبيه قال : " كان المسلمون حيث قدموا المدينة يجتمعون فيجيبون الصلاة وليس ينادي بهن فتكلموا في ذلك فاستشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسلمين فيما يجيبهم الصلاة . فقال بعضهم : يقلب راية فوق رأس المسجد عند الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك ، وقيل : بل نؤجج ناراً ، وقال بعضهم : بل قرن مثل قرن اليهود فكرهه من أجل اليهود وقيل : الناقوس فكرهه من أجل النصارى ولكن عليه قاموا وأمر بالناقوس حتى يجيب .

قال عبد اللّه بن زيد : فرأيت تلك اللية رجلاً في المنام عليه ثوبان أخضران ويحمل ناقوساً فقلت يا عبد اللّه إتبع الناقوس قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به الناس إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلّك على ما هو خير منه ؟ قلت : بلى ، قال : قل : اللّه أكبر ، اللّه أكبر إلى آخر الأذان ثم إستأخر غير بعيد ، وقال : إذا قامت الصلاة فقل : اللّه أكبر ، اللّه أكبر فوصف له الإقامة فرادى ، فلما استيقظت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال : إنها رؤيا حق إنشاء اللّه فاتلها على بلال فإنه أندى منك صوتاً ، قال : فخرجنا إلى المسجد فجعلت ألقيها على بلال وهو يؤذن فسمع عمر في بيته فخرج يجر رداءه فقال : رأيت مثل الذي رأى ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ذلك أثبت " .

" أوّل من أذّن في السماء فسمعه عمر ابن الخطاب ( رضي الله عنه ) " .

فأما فصل الأذان ، فحدثنا أبو الحسن بن محمد بن القاسم الفارسي ، عبد اللّه محمد بن إسحاق بن يحيى ، أبو جعفر بن عبد اللّه بن الصياح ، أبو عمر الدوري ، أبو إبراهيم البرجماني عن سعيد بن سعيد عن نهشل أبي عبد اللّه القرشي عن الضّحاك عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا يفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر : حامل القرآن يؤديه إلى اللّه بما فيه يقدم على ربّه سيّداً شريفاً ، ومؤذن أذن سبع سنين يأخذ على أذانه طمعاً وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ومؤدي حقّ مولاه " .

أحمد بن محمد بن جعفر ، أبو الحسن علي بن محمد القاضي ، علي بن عبد العزيز أبي عمرو ابن عثمان حدثهم أبو ثميلة عن أبي حمزة عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " من أذّن سبع سنين محتسباً كتب له براءة من النار " .

أبو الحسن الفارسي ، أبو العلاء أحمد بن محمد بن كثير ، [ . . . . . ] بن محمد ، محمد ابن سلمة الواسطي ، حميد بن سلمة الواسطي ، حميد الطوسي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " من أذن سنة من نية صادقة لا يطلب عليه أجر دعي يوم القيامة ووقف على باب الجنة وقيل له : إشفع لمن شئت " .

أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد التمار ، أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن دينار محمد ابن الحجاج بن عيسى ، إبراهيم بن رستم ، حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " من أذّن خمس صلوات إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن أمّ أصحابه خمس صلوات إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه " .

أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد المروزي ، الحسن بن محمد بن جشم أبو الموجة ، عبدان ، عبدالوارث ، ومرّة الحنفي ، يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنه قال : " إذا كان عند الأذان فتحت أبواب السماء فاستجيب الدعاء وإذا كان عند الإقامة لم يردّ دعواه " .

أبو القاسم طاهر بن المعري ، أبو محمد عبد اللّه بن أحمد المقري بالبصرة ، عبد اللّه ابن أحمد الجصاص ، يزيد بن عمر وأبو البر الغنوي ، نائل بن نجيح ، محمد بن الفضل عن سالم عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المؤذن المحتسب كالشهيد يتشحّط في دمه حتى يفرغ من أذانه ويشهد له كل رطب ويابس فإذا مات لم يدوّد في قبره " .

أبو محمد بن عبد اللّه بن حامد الصفياني ، محمد بن جعفر الطبري قال : حماد بن الحسن ، صالح ابن سليمان صاحب القراطيس ، عتاب بن عبد الحميد السدوسي عن مطر عن الحسن عن أبي الوقّاص أنه قال : سهام المؤذنين عند اللّه يوم القيامة كسهام المهاجرين .

وقال عبد اللّه بن مسعود : لو كنت مؤذناً لما باليت ألاّ أحج ولا أعتمر ولا أجاهد ، قال :

وقال عمر بن الخطاب : لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتسب لقيام ليل ولا لصيام نهار . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إغفر للمؤذنين ، اللهم إغفر للمؤذنين ، اللهم إغفر للمؤذنين " .

فقلت : يا رسول اللّه لقد تركنا ونحن خيار على الأذان بالسيوف . قال : " كلاّ يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها اللّه على النار لحوم المؤذنين " .