مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

قوله تعالى : { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ } .

إشارة إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه ، وذلك لأن الله تعالى بجميع أجزاء كل واحد من الموتى لا يشتبه عليه جزء أحد على الآخر ، وقادر على الجمع والتأليف ، فليس الرجوع منه ببعد ، وهذا كقوله تعالى : { وهو الخلاق العليم } حيث جعل للعلم مدخلا في الإعادة ، وقوله { قد علمنا ما تنقص الأرض } يعني لا تخفى علينا أجزاؤهم بسبب تشتتها في تخوم الأرضين ، وهذا جواب لما كانوا يقولون { أءذا ضللنا في الأرض } يعني أن ذلك إشارة إلى أنه تعالى كما يعلم أجزاؤهم يعلم أعمالهم من ظلمهم ، وتعديهم بما كانوا يقولون وبما كانوا يعملون ، ويحتمل أن يقال معنى قوله تعالى : { وعندنا كتاب حفيظ } هو أنه عالم بتفاصيل الأشياء ، وذلك لأن العلم إجمالي وتفصيلي ، فالإجمالي كما يكون عند الإنسان الذي يحفظ كتابا ويفهمه ، ويعلم أنه إذا سئل عن أية مسألة تكون في الكتاب يحضر عنده الجواب ، ولكن ذلك لا يكون نصب عينيه حرفا بحرف ، ولا يخطر بباله في حالة بابا بابا ، أو فصلا فصلا ، ولكن عند العرض على الذهن لا يحتاج إلى تجديد فكر وتحديد نظر ، والتفصيلي مثل الذي يعبر عن الأشياء ، والكتاب الذي كتب فيه تلك المسائل ، وهذا لا يوجد عند الإنسان إلا في مسألة أو مسألتين . أما بالنسبة إلى كتاب فلا يقال : { وعندنا كتاب حفيظ } يعني العلم عندي كما يكون في الكتاب أعلم جزءا جزءا وشيئا شيئا ، والحفيظ يحتمل أن يكون بمعنى المحفوظ ، أي محفوظ من التغيير والتبديل ، ويحتمل أن يكون بمعنى الحافظ ، أي حافظ أجزاءهم وأعمالهم بحيث لا ينسى شيئا منها ، والثاني هو الأصح لوجهين ( أحدهما ) أن الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن ، قال تعالى : { وما أنا عليكم بحفيظ } وقال تعالى : { والله حفيظ عليهم } ولأن الكتاب على ما ذكرنا للتمثيل فهو يحفظ الأشياء ، وهو مستغن عن أن يحفظ .