مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

قوله تعالى : { أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد } .

فإنهم لما أظهروا العجب من رسالته أظهروا استبعاد كلامه ، وهذا كما قال تعالى عنهم { قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم } ، { وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : فقوله { أئذا متنا وكنا ترابا } إنكار منهم بقول أو بمفهوم دل عليه قوله تعالى : { جاءهم منذر } لأن الإنذار لما لم يكن إلا بالعذاب المقيم والعقاب الأليم ، كان فيه الإشارة للحشر ، فقالوا { أئذا متنا وكنا ترابا } .

المسألة الثانية : ذلك إشارة إلى ما قاله وهو الإنذار ، وقوله { هذا شيء عجيب } إشارة إلى المجيء على ما قلنا ، فلما اختلفت الصفتان نقول المجيء والجائي كل واحد حاضر . وأما الإنذار وإن كان حاضرا لكن لكون المنذر به لما كان غير حاضر قالوا فيه ذلك ، والرجع مصدر رجع يرجع إذا كان متعديا ، والرجوع مصدره إذا كان لازما ، وكذلك الرجعي مصدر عند لزومه ، والرجع أيضا يصح مصدرا للازم ، فيحتمل أن يكون المراد بقوله { ذلك رجع بعيد } أي رجوع بعيد ، ويحتمل أن يكون المراد الرجع المتعدي ، ويدل على الأول قوله تعالى : { إن إلى ربك الرجعى } وعلى الثاني قوله تعالى : { أئنا لمردودون } أي مرجعون فإنه من الرجع المتعدي ، فإن قلنا هو من المتعدي ، فقد أنكروا كونه مقدورا في نفسه .