مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ} (15)

قوله تعالى : { إن المتقين في جنات وعيون } بعد بيان حال المغترين المجرمين بين حال المحق المتقي ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قد ذكرنا أن المتقي له مقامات أدناها أن يتقي الشرك ، وأعلاها أن يتقي ما سوى الله ، وأدنى درجات المتقي الجنة ، فما من مكلف اجتنب الكفر إلا ويدخل الجنة فيرزق نعيمها .

المسألة الثانية : الجنة تارة وحدها كما قال تعالى : { مثل الجنة التي وعد المتقون } وأخرى جمعها كما في هذا المقام قال : { إن المتقين في جنات } وتارة ثناها فقال تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فما الحكمة فيه ؟ نقول : أما الجنة عند التوحيد فلأنها لاتصال المنازل والأشجار والأنهار كجنة واحدة ، وأما حكمة الجمع فلأنها بالنسبة إلى الدنيا وبالإضافة إلى جنانها جنات لا يحصرها عدد ، وأما التثنية فسنذكرها في سورة الرحمن غير أنا نقول هاهنا الله تعالى عند الوعد وحد الجنة ، وكذلك عند الشراء حيث قال : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } وعند الإعطاء جمعها إشارة إلى أن الزيادة في الوعد موجودة والخلاف ما لو وعد بجنات ، ثم كان يقول إنه في جنة لأنه دون الموعود ( الثالثة ) قوله تعالى : { وعيون } يقتضي أن يكون المتقي فيها ولا لذة في كون الإنسان في ماء أو غير ذلك من المائعات ، نقول معناه في خلال العيون ، وذلك بين الأنهار بدليل أن قوله تعالى : { في جنات } ليس معناه إلا بين جنات وفي خلالها لأن الجنة هي الأشجار ، وإنما يكون بينها كذلك القول في العيون والتنكير ، مع أنها معرفة للتعظيم يقال فلان رجل أي عظيم في الرجولية .