مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (7)

ثم قال تعالى : { وهو بالأفق الأعلى } والمشهور أن هو ضمير جبريل وتقديره استوى كما خلقه الله تعالى بالأفق الشرقي ، فسد المشرق لعظمته ، والظاهر أن المراد محمد صلى الله عليه وسلم معناه استوى بمكان وهو بالمكان العالي رتبة ومنزلة في رفعة القدر لا حقيقة في الحصول في المكان ، فإن قيل كيف يجوز هذا والله تعالى يقول : { ولقد رءاه بالأفق المبين } إشارة إلى أنه رأى جبريل بالأفق المبين ؟ نقول وفي ذلك الموضع أيضا نقول كما قلنا هاهنا إنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وهو بالأفق المبين يقول القائل رأيت الهلال فيقال له أين رأيته فيقول فوق السطح أي أن الرائي فوق السطح لا المرئي و{ المبين } هو الفارق من أبان أي فرق ، أي هو بالأفق الفارق بين درجة الإنسان ومنزلة الملك فإنه صلى الله عليه وسلم انتهى وبلغ الغاية وصار نبيا كما صار بعض الأنبياء نبيا يأتيه الوحي في نومه وعلى هيئته وهو واصل إلى الأفق الأعلى والأفق الفارق بين المنزلتين ، فإن قيل ما بعده يدل على خلاف ما تذهب إليه ، فإن قوله { ثم دنا فتدلى } إلى غير ذلك ، وقوله تعالى : { ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى } كل ذلك يدل على خلاف ما ذكرته ؟ نقول سنبين موافقته لما ذكرنا إن شاء الله في مواضعه عند ذكر تفسيره ، فإن قيل الأحاديث تدل على خلاف ما ذكرته حيث ورد في الأخبار أن جبريل صلى الله عليه وسلم أرى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على صورته فسد المشرق فنقول نحن ما قلنا إنه لم يكن وليس في الحديث أن الله تعالى أراد بهذه الآية تلك الحكاية حتى يلزم مخالفة الحديث ، وإنما نقول أن جبريل أرى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه مرتين وبسط جناحيه وقد ستر الجانب الشرقي وسده ، لكن الآية لم ترد لبيان ذلك .