مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

وقوله تعالى : { عند سدرة المنتهى } المشهور أن السدرة شجرة في السماء السابعة وعليها مثل النبق وقيل في السماء السادسة ، وورد في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال : «نيقها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة » وقيل سدرة المنتهى هي الحيرة القصوى من السدرة ، والسدرة كالركبة من الراكب عندما يحار العقل حيرة لا حيرة فوقها ، ما حار النبي صلى الله عليه وسلم وما غاب ورأى ما رأى ، وقوله { عند } ظرف مكان ، أو ظرف زمان في هذا الموضع ؟ نقول المشهور أنه ظرف مكان تقديره رأى جبريل أو غيره بقرب ( سدرة المنتهى ) وقيل ظرف زمان ، كما يقال صليت عند طلوع الفجر ، وتقديره رآه عند الحيرة القصوى ، أي في الزمان الذي تحار فيه عقول العقلاء ، والرؤية من أتم العلوم وذلك الوقت من أشد أوقات الجهل والحيرة ، فهو عليه الصلاة والسلام ما حار وقتا من شأنه أن يحار العاقل فيه ، والله أعلم .

المسألة الثالثة : إن قلنا معناه رأى الله كيف يفهم { عند سدرة المنتهى } ؟ قلنا فيه أقوال : ( الأول ) قول من يجعل الله في مكان وهو باطل ، وقد بالغنا في بيان بطلانه في سورة السجدة ( الثاني ) رآه محمد صلى الله عليه وسلم وهو { عند سدرة المنتهى } لأن الظرف قد يكون ظرفا للرائي كما ذكرنا من المثال يقال رأيت الهلال ، فيقاله لقائله أين رأيته ؟ فيقول على السطح وربما يقول عند الشجرة الفلانية ، وأما إن قلنا إن المراد جبريل عليه السلام فالوجهان ظاهران وكون النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل { عند سدرة المنتهى } أظهر .

المسألة الرابعة : إضافة السدرة إلى المنتهى من أي : أنواع الإضافة ؟ نقول يحتمل وجوها : ( أحدها ) إضافة الشيء إلى مكانه يقال أشجار بلدة كذا لا تطول من البرد ويقال أشجار الجنة لا تيبس ولا تخلو من الثمار ، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه ملك ، وقيل لا يتعداه روح من الأرواح ( وثانيها ) إضافة المحل إلى الحال فيه ، يقال : كتاب الفقه ، ومحل السواد ، وعلى هذا فالمنتهى عند السدرة تقديره سدرة عند منتهى العلوم ( ثالثها ) إضافة الملك إلى مالكه يقال دار زيد وأشجار زيد وحينئذ فالمنتهى إليه محذوف تقديره { سدرة المنتهى } إليه ، قال الله تعالى : { إلى ربك المنتهى } فالمنتهى إليه هو الله وإضافة السدرة إليه حينئذ كإضافة البيت إليه للتشريف والتعظيم ، ويقال في التسبيح : يا غاية مناه ، ويا منتهى أملاه .