مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (23)

البرهان الثاني على كمال قدرته قوله تعالى :{ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون } .

اعلم أنه تعالى لما أورد البرهان ( أولا ) من حال سائر الحيوانات ، وهو وقوف الطير في الهواء ، أورد البرهان بعده من أحوال الناس وهو هذه الآية ، وذكر من عجائب ما فيه حال السمع والبصر والفؤاد ، ولقد تقدم شرح أحوال هذه الأمور الثلاثة في هذا الكتاب مرارا فلا فائدة في الإعادة ، واعلم أن في ذكرها هاهنا تنبيها على دقيقة لطيفة ، كأنه تعالى قال : أعطيتكم هذه الإعطاءات الثلاثة مع ما فيها من القوى الشريفة ، لكنكم ضيعتموها فلم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ، ولا تأملتم في عاقبة ما عقلتموه ، فكأنكم ضيعتم هذه النعم وأفسدتم هذه المواهب ، فلهذا قال : { قليلا ما تشكرون } وذلك لأن شكر نعمة الله تعالى هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه ، وأنتم لما صرفتم السمع والبصر والعقل لا إلى طلب مرضاته فأنتم ما شكرتم نعمته البتة .