اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (23)

قوله : { قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ } . أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم أن الله خلقهم { وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة } يعني القلوب .

قوله : «قَلِيلاً » . نعت مصدر محذوف ، أو حال من ضمير المصدر كما هو رأي سيبويه و «ما » مزيدة أي : تشكرون قليلاً ، والجملة من «تَشْكُرون » إما مستأنفة ، وهو الظاهر ، وإما حال مقدرة ؛ لأنهم حال الجعل غير شاكرين .

والمراد بالقلة العدم ، أو حقيقتها ، أي : لا تشكرون هذه النعم ، ولا توحدون الله تعالى ، تقول : قلَّما أفعلُ كذا ، أي : لا أفعله .

قال ابن الخطيب{[57459]} : وذكر السمع والبصر والفؤاد هاهنا ، تنبيهاً على دقيقة لطيفة ، كأنه تعالى قال : أعطيتم هذه الأعضاء الثلاثة مع ما فيها من القوى الشريفة ، فضيعتموها ولم تقبلوا ما سمعتموه ، ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ، ولا تأملتم في عاقبة ما عقلتموه ، فكأنكم ضيعتم هذه النعم ، وأفسدتم هذه المواهب ، فلهذا قال : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } .


[57459]:ينظر: الفخر الرازي 30/65.