مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

ثم إنه تعالى بين حالهم عند نزول ذلك الوعد فقال تعالى : { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا } وفيه مسائل :

المسألة لأولى : قوله فلما رأوه الضمير للوعد ، والزلفة القرب والتقدير : فلما رأوه قربا ويحتمل أنه لما اشتد قربه ، جعل كأنه في نفس القرب . وقال الحسن : معاينة ، وهذا معنى وليس بتفسير ، وذلك لأن ما قرب من الإنسان رآه معاينة .

المسألة الثانية : قوله : { سيئت وجوه الذين كفروا } قال ابن عباس : اسودت وعلتها الكآبة والقترة ، وقال الزجاج : تبين فيها السوء ، وأصل السوء القبح ، والسيئة ضد الحسنة ، يقال : ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح ، وسيئ يساء إذا قبح ، وهو فعل لازم ومتعد فمعنى سيئت وجوههم قبحت بأن علتها الكآبة وغشيها الكسوف والقترة وكلحوا ، وصارت وجوههم كوجه من يقاد إلى القتل .

المسألة الثالثة : اعلم أن قوله : { فلما رأوه زلفة } إخبار عن الماضي ، فمن حل الوعد في قوله : { ويقولون متى هذا الوعد } على مطلق العذاب سهل تفسير الآية على قوله فلهذا قال أبو مسلم في قوله : { فلما رأوه زلفة } يعني أنه لما أتاهم عذاب الله المهلك لهم كالذي نزل بعاد وثمود سيئت وجوههم عند قربه منهم ، وأما من فسر ذلك الوعد بالقيامة كان قوله : { فلما رأوه زلفة } معناه فمتى ما رأوه زلفة ، وذلك لأن قوله : { فلما رأوه زلفة } إخبار عن الماضي وأحوال القيامة مستقبلة لا ماضية فوجب تفسير اللفظ بما قلناه ، قال مقاتل : { فلما رأوه زلفة } أي لما رأوا العذاب في الآخر قريبا .

وأما قوله تعالى : { وقيل هذا الذي كنتم به تدعون } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قال بعضهم : القائلون هم الزبانية ، وقال آخرون : بل يقول بعضهم لبعض ذلك .

المسألة الثانية : في قوله : { تدعون } وجوه : ( أحدها ) : قال الفراء : يريد ( تدعون ) من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به ، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون ( وثانيها ) : أنه من الدعوى معناه : هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه ( وتدعون ) أنكم لا تبعثون ( وثالثها ) : أن يكون هذا استفهاما على سبيل الإنكار ، والمعنى أهذا الذي تدعون ، لا بل كنتم تدعون عدمه .

المسألة الثالثة : قرأ يعقوب الحضرمي { تدعون } خفيفة من الدعاء ، وقرأ السبعة { تدعون } مثقلة من الادعاء .