السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (23)

{ قل } أي : يا أشرف الخلق وأشفقهم عليهم ، مذكراً لهم بما رفع عنهم الملك من المفسدات وجمع لهم من المصلحات ليرجعوا إليه ، ولا يعولوا في حال من أحوالهم إلا عليه . { هو } أي : الذي شرفكم بهذا الذكر وبين لكم هذا البيان ، { الذي أنشأكم } أي : أوجدكم ودرجكم في مدارج التربية ، حيث طوركم في الأطوار المختلفة في الرحم ، ويسر لكم بعد الخروج اللبن حيث كانت المعدة ضعيفة عن أكثف منه { وجعل لكم السمع } أي : لتسمعوا ما تعقله قلوبكم فيهديكم ، ووحده لقلة التفاوت فيه ، ليظهر سر تصرفه سبحانه في القلوب بغاية المفاوتة ، مع أنه أعظم الطرق الموصلة للمعاني إليها { والأبصار } لتنظروا صنائعه فتعتبروا وتزدجروا عما يرديكم { والأفئدة } أي : القلوب التي جعلها سبحانه في غاية التوقد بالإدراك ، لما لا يدركه بقية الحيوان ، لتتفكروا فتقبلوا على ما يعليكم ، وجمعهما لكثرة التفاوت في نور الأبصار وإدراك الأفئدة . { قليلاً ما تشكرون } أي : باستعمالها فيما خلقت لأجله ، وما مزيدة والجملة مستأنفة مخبرة بقلة شكرهم جداً على هذه النعم ، وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان ، وأعلاهم في العرفان .