مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

قوله تعالى : { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال الواحدي : أكب مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب ونظيره قشعت الريح السحاب فأقشع ، قال صاحب «الكشاف » : ليس الأمر كذلك ، وجاء شيء من بناء أفعل مطاوعا ، بل قولك : أكب معناه دخل في الكب وصار ذا كب ، وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع ، وأنفض أي دخل في النفض ، وهو نفض الوعاء فصار عبارة عن الفقر وألام دخل في اللوم ، وأما مطاوع كب وقشع فهو انكب وانقشع .

المسألة الثانية : ذكروا في تفسير قوله : { يمشى مكبا على وجهه } وجوها : ( أحدها ) : معناه أن الذي يمشي في مكان غير مستو بل فيه ارتفاع وانخفاض فيعثر كل ساعة ويخر على وجهه مكبا فحاله نقيض حال من يمشي سويا أي قائما سالما من العثور والخرور ( وثانيها ) : أن المتعسف الذي يمشي هكذا وهكذا على الجهالة والحيرة لا يكون كمن يمشي إلى جهة معلومة مع العلم واليقين ( وثالثها ) : أن الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيتعسف ولا يزال ينكب على وجهه لا يكون كالرجل السوي الصحيح البصر الماشي في الطريق المعلوم ، ثم اختلفوا فمنهم من قال : هذا حكاية حال الكافر في الآخرة ، قال قتادة : الكافر أكب على معاصي الله فحشره الله يوم القيامة على وجهه ، والمؤمن كان على الدين الواضح فحشره الله تعالى على الطريق السوي يوم القيامة ، وقال آخرون : بل هذا حكاية حال المؤمن والكافر والعالم والجاهل في الدنيا ، واختلفوا أيضا فمنهم من قال : هذا عام في حق جميع المؤمنين والكفار ، ومنهم من قال : بل المراد منه شخص معين ، فقال مقاتل : المراد أبو جهل والنبي عليه الصلاة والسلام ، وقال عطاء عن ابن عباس : المراد أبو جهل وحمزة بن عبد المطلب وقال عكرمة هو أبو جهل وعمار بن ياسر .