فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (23)

{ قل } لهم يا أشرف الخلق مذكرا لهم بما دفع المولى من المفاسد ، وجمع لهم من المصالح ، ليرجعوا إليه ولا يعولوا في حال من الأحوال إلا عليه ، { هو الذي أنشأكم } إنشاء بديعا { وجعل لكم السمع } لتسمعوا به آيات الله ، وتتمسكوا بما فيها من الأوامر والنواهي ، وتتعظوا بموعظها .

{ والأبصار } لتبصروا بها الآيات التكوينية ، الشاهدة بشؤون الله عز وجل ، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار ، أنه مصدر يطلق على الكثير والقليل ، وقد قدمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة البيان .

{ والأفئدة } لتفكروا بها في مخلوقات الله وآياته التنزيلية والتكوينية ، وترتقوا في معارج الإيمان والطاعة ، وخصها بالذكر لأنها آلات العلم ، وذكر الله سبحانه ههنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات ، إيضاحا للحجة وقطعا للمعذرة ، وذما لهم على عدم شكر نعم الله ، ولهذا قال :

{ قليلا ما تشكرون } أي باستعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة . وقليلا نعت لمحذوف ، " ما " مزيدة لتأكيد التقليل ، أي شكرا قليلا ، أو زمانا قليلا ، فالقلة على ظاهرها . وقيل : أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم ، إن كان الخطاب للكفرة ، قال مقاتل : يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه .

" عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هذه الآية { هو الذي أنشأكم } إلى قوله :{ تشكرون } " أخرجه الخطيب في تاريخه وابن النجار .

" وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه ويقرأ هاتين الآيتين سبع مرات { وهو الذي أنشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع } إلى قوله { يفقهون } و { هو الذي أنشأكم } إلى { تشكرون } فإنه يبرأ بإذن الله " أخرجه ( {[1607]} ) الدارقطني في الأفراد .


[1607]:هذا الحديث والذي قبله لا يطمئن إليهما القلب. ولم أجدهما في كتب الحديث عندي.