مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ} (4)

وأما الثاني : فقوله { وإذا القبور بعثرت } فاعلم أن بعثر وبحثر بمعنى واحد ، ومركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما ، والمعنى أثيرت وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها ، ثم ههنا وجهان ( أحدهما ) : أن القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء ، كما قال تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } ( والثاني ) : أنها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذهب والفضة ، وذلك لأن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها ، ثم يكون بعد ذلك خروج الموتى ، والأول أقرب ، لأن دلالة القبور على الأول أتم .

المقام الثاني : في فائدة هذا الترتيب ، واعلم أن المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا ، وانقطاع التكاليف ، والسماء كالسقف ، والأرض كالبناء ، ومن أراد تخريب دار ، فإنه يبدأ أولا بتخريب السقف ، وذلك هو قوله : { إذا السماء انفطرت } ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب ، وذلك هو قوله : { وإذا الكواكب انتثرت } ثم إنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض وهو قوله : { وإذا البحار فجرت } ثم إنه تعالى يخرب آخر الأمر الأرض التي هي البناء ، وذلك هو قوله : { وإذا القبور بعثرت } فإنه إشارة إلى قلب الأرض ظهرا لبطن ، وبطنا لظهر .