وقوله تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة } أي أي شيء أعلمك ما هي تعظيم تعظيم لشأن العقبة المفسرة بقوله سبحانه : { فَكُّ رَقَبَةٍ } الخ وتفسيرها بذلك بناء على الادعاء والمجاز وهو مما لا شبهة في صحته وإن لم يتحد العقبة والفك حقيقة فلا حاجة إلى تقدير مضاف كما زعمه الإمام ليصح التفسير أي وما أدراك ما اقتحام العقبة { فَكُّ } الخ وقال بعضهم يحتمل أن يراد بالعقبة نفس الشكر عبر بها عنه لصعوبته ولا يأباه { وَمَا أَدْرَاكَ } ما الشكر { فَكُّ رَقَبَةٍ } وهو كما ترى وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن أبي شيبة عن ابن عمر أن العقبة جبل زلال في جهنم وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها النار وفي راية عبد بن حميد عنه أنها عقبة بين الجنة والنار وعن مجاهد والضحاك والكلبي أنها الصراط وقد جاء في صفته ما جاء ولعل المراد بعقبة بين الجنة والنار هذا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي رجاء أنه قال بلغني أن العقبة التي ذكر الله تعالى في القرآن مطلعها سبعة آلاف سنة ومهبطها سبعة آلاف سنة وهذه الأقوال إن صحت يتعين عليها أن يراد بالاقتحام المرور والجواز بسرعة وأن يقدر المضاف أي وما أدراك ما اقتحام العقبة { فَكُّ } وجعل الفك وما عطف عليه نفس الاقتحام على سبيل المبالغة في سببيته له حتى كأنه نفسه ومآل المعنى فلا فعل ما ينجو به ويجوز بسبب العقبة الكؤد يوم القيامة وبهذا يندفع ما نقله الإمام عن الواحدي بعد نقله تفسيرها بجبل زلال في جهنم وبالصراط ونحو ذلك وهو قوله وفي هذا التفسير نظر لأن من المعلوم أن هذا الإنسان وغيره لم يقتحموا عقبة جهنم ولا جاوزوها فحمل الآية عليه يكون إيضاحاً للواضحات ثم قال ويدل عليه أنه لما قال سبحانه { وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة } فحمل الآية عليه يكون إيضاحاً للواضحات ثم قال ويدل عليه أنه لما قال سبحانه { وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة } فسرها جل شأنه بفك الرقبة والإطعام انتهى نعم إنا لا أقول بشيء من ذلك حتى تصح فيه تفسيراً للآية رواية مرفوعة والفك تخليص شيء من شيء قال الشاعر
: فيا رب مكروب كررت وراءه *** وعان فككت الغل منه ففداني
وهو مصدر فك وكذا الفكاك بفتح الفاء كما نص عليه الفراء والمشهور أن المراد به هنا تخليص رقبة الرقيق من وصف القرقية بالاعتاق وأخرج أحمد وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن البراء رضي الله تعالى عنه أن اعرابياً قال يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة قال أعتق النسمة وفك الرقبة قال أو ليسا بواحد قال لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها الحديث وعليه يكون نفي العتق عن المحدث عنه متحققاً من باب أولى ومن الفك بهذا المعنى إعطاء المكاتب ما يصرفه في جهة فكاك نفسه وجاء في فضل الاعتاق أخبار كثيرة منها ما أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار حتى الفرج بالفرج » وهو أفضل من الصدقة عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وعند صاحبيه الصدقة أفضل والآية على ما قيل أدل على قول الإمام لمكان تقديم الفك على الإطعام وعن الشعبي تفضيل العتق أيضاً على الصدقة على ذي القرابة فضلاً عن غيره وقال الإمام في الآية وجه آخر حسن وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى وعليه قيل يكون ما بعد من قبيل التخصيص بعد التعميم وفيه بعد كما لا يخفى .
قوله : { فكّ رقبة } أي تخليص الرقبة من الرق وبذل الإعانة للرقيق في مال الكتابة . وثمة أخبار كثيرة في التخضيض على إعتاق الرقيق . منها ما أخرجه الإمام أحمد عن عمرو بن عبسة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضوا بعضو ، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة " .
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار " وفي رواية عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار " .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : "وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ" ؟ يقول تعالى ذكره : وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة ؟ .
ثم بيّن جلّ ثناؤه له ، ما العقبة ، وما النجاة منها ، وما وجه اقتحامها ؟ فقال : اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ ، وأسر العبودة...
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة ، عن ابن أبي إسحاق ، ومن الكوفيين : الكسائي : «فَكَّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ » . وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه بقوله : "ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا" كأن معناه : كان عنده ، فلا فكّ رقبة ، ولا أطعم ، ثم كان من الذين آمنوا . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم "فَكُّ رَقَبَةٍ" على الإضافة "أوْ إطْعامٌ" على وجه المصدر .
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، وتأويل مفهوم ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . فقراءته إذا قرئ على وجه الفعل تأويله : فلا اقتحم العقبة ، لا فكّ رقبة ، ولا أطعم ، ثم كان من الذين آمنوا ، وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ على التعجب والتعظيم . وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية ، لأن الإطعام اسم ، وقوله : "ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا" فعل ، والعرب تُؤْثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها ، والأفعال على الأفعال ، ولو كان مجيء التّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا ، كان أحسن ، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان ، ولذلك قلت : «فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ » أوجه في العربية من الآخر ، وإن كان للآخر وجه معروف ، ووجهه أنْ تضمر أن ثم تلقى ... وإذا وُجّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله : "فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ" تفسيرا لقوله : "وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ" كأنه قيل : وما أدراك ما العقبة ؟ هي "فكّ رقبة أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ" كما قال جلّ ثناؤه : "وَما أدْرَاكَ ماهِيَهْ" ، ثم قال : "نارٌ حامِيَةٌ" مفسرا لقوله...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
الثاني : عتقها من الرق ، وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط من رقبته ، وسمي عتقاً فكها لأنه كفك الأسير من الأسر ....
والمعنى أن اقتحام العقبة هو الفك أو الإطعام ...
الفك: فرق يزيل المنع كفك القيد والغل ، وفك الرقبة فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية ، ومنه فك الرهن وهو إزالة غلق الرهن ، وكل شيء أطلقته فقد فككته ، ومنه فك الكتاب....ويقال : كانت عادة العرب في الأسارى شد رقابهم وأيديهم فجرى ذلك فيهم وإن لم يشدد ، ثم سمي إطلاق الأسير فكاكا ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فك } أي الإنسان { رقبة } أي من الأسر أو الظلم أو الغرم أو السقم شكراً لمن أولاه الخير وتنفيساً للكربة حباً للمعالي والمكارم لا رياء وسمعة كما فعل هذا الظان الضال ولا لطمع في جزاء ولا لخوف من عناء...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا . . وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة . وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر ؛ وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأطلق الفك على تخليص المأخوذ في أسْرٍ أو مِلْك ، لمشابهة تخليص الأمر العسير بالنزع من يد القابض الممتنع . وهذه الآية أصل من أصول التشريع الإِسلامي وهو تشوُّف الشارع إلى الحرية وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب « أصول النظام الاجتماعي في الإسلام » .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
أي تحريرها وعتقها لتعود إنساناً حرّاً يملك إرادته وحركته وكل شؤون حياته ، ما يوحي بأن مسألة حرية الإنسان من العبودية في إعتاقه من الرق ، تمثل مدخلاً لرضى الله ، لأن مسألة الاسترقاق في الإسلام لم تكن مسألةً اختارها الإسلام في شريعته كواقعٍ تشريعيٍّ يؤكد على استجابة الناس له ، في ما يريد لهم أن يأخذوا به ويسعوا إليه كأمرٍ محبوب لديه ، بل هي مسألة الواقع الذي عاش الإسلام في داخله من خلال التاريخ السحيق الذي أوجد للرقّ نظاماً وحشياً لا يتقيّد بأيّ خُلُقٍ إنسانيّ وأيّة عاطفةٍ روحيّةٍ ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.