تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

الآيات 11 و12 و13 و14 : وقوله تعالى : { فلا اقتحم العقبة } [ { وما أدراك ما العقبة } { فك رقبة } { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } ]{[23650]} قيل فيه من وجهين :

أحدهما : فهلا{[23651]} اقتحم العقبة . الثاني : أنه لم يقتحم .

فإن كان على الأول فمعناه : أن الذي قال : { أهلكت مالا لبدا } كيف لا كان إنفاقه في فك الرقبة وفي الإنفاق على اليتيم والمسكين الذي بلغ به الجهد إلى أن ألصق بالتراب ، ويكون من جملة من آمنوا بالله تعالى { وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } [ الآية : 17 ] ليكون من أصحاب الميمنة ، ويكتب بذلك الحياة الطبية في الآخرة دون أن تكون العاقبة في الملاهي وشهوات النفس ؟ فلم يحصل لنفسه حمدا ولا أجرا في العقبى ، بل صار من أصحاب المشأمة ، فيكون ما بعد قوله : { أهلكت مالا لبدا } صلة له وتفسيرا .

وإن كان التأويل على النفي ، ففيه تكذيب في ما يزعم أنه أنفق مالا لبدا ، فنقول : لو كان ما يظن ذلك{[23652]} بفك الرقاب والإنفاق {[23653]}على اليتيم وعلى المسكين الذي ، هو ذو متربة ، فيكون هذا كله صلة قوله عز وجل : { أهلكت مالا لبدا } أيضا .

ثم قيل في العقبة في وجهين :

أحدهما : على تحقيق العقبة ، وهو أن يكون في النار عقبة ، لا تتجاوز ، ولا تقطع إلا بما ذكر من فك الرقبة والإطعام { في يوم ذي مسغبة } [ الآية : 14 ] كقوله تعالى : { سأرهقه صعودا } [ المدثر : 17 ] وقوله تعالى : { وما أدراك ما العقبة } على تحقيق العقبة ؛ معناه : وما يدريك بم تقطع تلك العقبة ؟ ثم بين أنها تقطع بما ذكر من فك الرقبة ونحوه .

[ والثاني ]{[23654]} : جائز أن يكون على التمثيل لا على التحقيق ، ووجهه أنه يشتد عليه بحمل المؤن التي ذكر من فك الرقبة وإطعام المساكين ومواساة اليتيم ، فتكون العقبة كناية عن تحمل المؤن لا على العقبة /642 – ب/ نفسها ، وهو كقوله : { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء } [ الأنعام : 125 ] إذ يصير الإيمان عليه في الشدة والثقل كأنه كلف الصعود إلى السماء . ويشتد على الأول تحمل المؤن [ كما يشتد عليه قطع العقبة والصعود عليها .

والاقتحام هو رمي النفس في المهالك ، وقيل : الاقتحام ، هو تحمل المؤن .

فإن كان على تحمل المؤن ]{[23655]} فوجهه ما ذكرنا أن كيف لم يحتمل هذه المؤن ليصير من أهل الميمنة ؟

وإن كان على الرمي في المهالك لم يحتمل هذه المؤن ليصير من أهل الميمنة . فكأنه يقول : قد أهلك نفسه بترك الإنفاق في الوجوه التي ذكر والإعراض عن الإيمان بالله تعالى بتركه فكاك الرقبة .

وروى أبو بكر الأصم في تفسيره خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة ، فأمره بعتق النسمة وفك الرقبة ، فقال : السائل : أليستا ، هما واحد ؟ فقال النبي عليه السلام : لا إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين على فكاكها ) ) [ أحمد 4/299 ] .

وفكاك الرقبة أن تخلصها من وجوه المهالك ، وذلك يكون بالتخلص من ذل الرق ، وأن ترى إنسانا هم بقتل آخر بغير حق ، فتدفع عن المظلوم شر الظالم ، فتراه يفرق ، فتخلصه من ذلك ، فيكون في ذلك كله فكاك الرقبة من المهالك ، ليكتسب بها الحياة الطيبة في الآخرة .

فاختلف القراء في هذا الحرف ؛ فمنهم من قرأ : فك{[23656]} رقبة أو أطعم في يوم ذي مسغبة على النصب ، فإذا قرأته بالنصب فمعناه : هلا فك رقبة ، أو أطعم ، فيكون راجعا إلى تفسير الاقتحام ، وإن قرأته بالرفع انصرف التأويل إلى تفسير العقبة ، فكأنه قال : قطع العقبة يكون بالفك وبما ذكرنا .

وذكر عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه أنه قال : كل ما في القرآن : { وما أدراك } فقد أعلمه ، وأدراه ، وكل ما فيه : { وما يدريك } فهو لم يعلم ، والله أعلم .

والمسغبة المجاعة .


[23650]:ساقطة من الأصل وم.
[23651]:من م، في الأصل: فلا .
[23652]:في الأصل وم: ليظهر
[23653]:في الأصل وم: والمواساة
[23654]:في الأصل وم: و.
[23655]:من م، ساقطة من الأصل .
[23656]:انظر معجم القراءات القرآنية ج8/152.