الآيات 11 و12 و13 و14 : وقوله تعالى : { فلا اقتحم العقبة } [ { وما أدراك ما العقبة } { فك رقبة } { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } ]{[23650]} قيل فيه من وجهين :
أحدهما : فهلا{[23651]} اقتحم العقبة . الثاني : أنه لم يقتحم .
فإن كان على الأول فمعناه : أن الذي قال : { أهلكت مالا لبدا } كيف لا كان إنفاقه في فك الرقبة وفي الإنفاق على اليتيم والمسكين الذي بلغ به الجهد إلى أن ألصق بالتراب ، ويكون من جملة من آمنوا بالله تعالى { وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } [ الآية : 17 ] ليكون من أصحاب الميمنة ، ويكتب بذلك الحياة الطبية في الآخرة دون أن تكون العاقبة في الملاهي وشهوات النفس ؟ فلم يحصل لنفسه حمدا ولا أجرا في العقبى ، بل صار من أصحاب المشأمة ، فيكون ما بعد قوله : { أهلكت مالا لبدا } صلة له وتفسيرا .
وإن كان التأويل على النفي ، ففيه تكذيب في ما يزعم أنه أنفق مالا لبدا ، فنقول : لو كان ما يظن ذلك{[23652]} بفك الرقاب والإنفاق {[23653]}على اليتيم وعلى المسكين الذي ، هو ذو متربة ، فيكون هذا كله صلة قوله عز وجل : { أهلكت مالا لبدا } أيضا .
أحدهما : على تحقيق العقبة ، وهو أن يكون في النار عقبة ، لا تتجاوز ، ولا تقطع إلا بما ذكر من فك الرقبة والإطعام { في يوم ذي مسغبة } [ الآية : 14 ] كقوله تعالى : { سأرهقه صعودا } [ المدثر : 17 ] وقوله تعالى : { وما أدراك ما العقبة } على تحقيق العقبة ؛ معناه : وما يدريك بم تقطع تلك العقبة ؟ ثم بين أنها تقطع بما ذكر من فك الرقبة ونحوه .
[ والثاني ]{[23654]} : جائز أن يكون على التمثيل لا على التحقيق ، ووجهه أنه يشتد عليه بحمل المؤن التي ذكر من فك الرقبة وإطعام المساكين ومواساة اليتيم ، فتكون العقبة كناية عن تحمل المؤن لا على العقبة /642 – ب/ نفسها ، وهو كقوله : { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء } [ الأنعام : 125 ] إذ يصير الإيمان عليه في الشدة والثقل كأنه كلف الصعود إلى السماء . ويشتد على الأول تحمل المؤن [ كما يشتد عليه قطع العقبة والصعود عليها .
والاقتحام هو رمي النفس في المهالك ، وقيل : الاقتحام ، هو تحمل المؤن .
فإن كان على تحمل المؤن ]{[23655]} فوجهه ما ذكرنا أن كيف لم يحتمل هذه المؤن ليصير من أهل الميمنة ؟
وإن كان على الرمي في المهالك لم يحتمل هذه المؤن ليصير من أهل الميمنة . فكأنه يقول : قد أهلك نفسه بترك الإنفاق في الوجوه التي ذكر والإعراض عن الإيمان بالله تعالى بتركه فكاك الرقبة .
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة ، فأمره بعتق النسمة وفك الرقبة ، فقال : السائل : أليستا ، هما واحد ؟ فقال النبي عليه السلام : لا إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين على فكاكها ) ) [ أحمد 4/299 ] .
وفكاك الرقبة أن تخلصها من وجوه المهالك ، وذلك يكون بالتخلص من ذل الرق ، وأن ترى إنسانا هم بقتل آخر بغير حق ، فتدفع عن المظلوم شر الظالم ، فتراه يفرق ، فتخلصه من ذلك ، فيكون في ذلك كله فكاك الرقبة من المهالك ، ليكتسب بها الحياة الطيبة في الآخرة .
فاختلف القراء في هذا الحرف ؛ فمنهم من قرأ : فك{[23656]} رقبة أو أطعم في يوم ذي مسغبة على النصب ، فإذا قرأته بالنصب فمعناه : هلا فك رقبة ، أو أطعم ، فيكون راجعا إلى تفسير الاقتحام ، وإن قرأته بالرفع انصرف التأويل إلى تفسير العقبة ، فكأنه قال : قطع العقبة يكون بالفك وبما ذكرنا .
وذكر عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه أنه قال : كل ما في القرآن : { وما أدراك } فقد أعلمه ، وأدراه ، وكل ما فيه : { وما يدريك } فهو لم يعلم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.