اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

قوله : { فَكُّ رَقَبَةٍ } .

قرأ أبو عمرو{[60239]} وابن كثيرٍ والكسائي : «فكَّ » : فعلاً ماضياً ، و «رَقَبةٌ » : نصباً ، «أو أطْعَمَ » : فعلاً ماضياً .

والباقون : «فكُّ » : يرفع الكاف اسماً ، «رقَبَةٍ » : خفض بالإضافة ، «أوْ إطْعَامٌ » : اسم مرفوع أيضاً .

فالقراءة الأولى : الفعل فيها ، بدل من قوله : «اقتحم » ، فهو بيان له ، فكأنه قيل : فلا فك رقبة ولا أطعم .

والثانية : مرتفع فيها : «فكُّ » ، على إضمار مبتدأ ، أي : هو فك رقبة ، «أو إطعام » على معنى الإباحة ، وفي الكلام حذف مضاف ، دل عليه «فلا اقتحم » ، تقديره : وما أدراك ما اقتحام العقبة ، فالتقدير : اقتحام العقبة فك رقبة ، أو إطعام ، وإنما احتيج إلى تقدير هذا المضاف ليطابق المفسر والمفسر ؛ ألا ترى أن المفسِّر - بكسر السين - مصدر ، والمفسَّر - بفتح السين - وهو العقبة غير مصدر ، فلو لم يقدر مضافاً ، لكان المصدر ، وهو «فك » مفسراً للعين ، وهي العقبة .

وقرأ أميرُ المؤمنين وأبو رجاء{[60240]} : «فكَّ ، أو أطعمَ » فعلين - كما تقدم - إلا أنهما نصبا : «ذا » الألف .

وقرأ الحسنُ : «إطعام »{[60241]} ، و«ذا » بالألف أيضاً ، وهو على هاتين القراءتين : مفعول : «أطعم » ، أو «إطعام » ، و«يتيماً » حينئذ بدل منه أو نعت له ، وهو في قراءة العامة : «ذي » بالياء : نعت ل «يوم » ، على سبيل المجاز ، وصف اليوم بالجوع مبالغة ، كقولهم : ليلك قائم ، ونهارك صائم ، والفاعل ل «إطعام » : محذوف ، وهذا أحد المواضع التي يطرد فيها حذف الفاعل وحده عند البصريين .

فصل في الاستفهام في الآية

قال ابنُ زيدٍ ، وجماعة من المفسرين : معنى الكلام الاستفهام على معنى الإنكار ، تقديره : هلاَّ أقتحم العقبة ، تقول : هلا أنفق ماله في فك الرقاب ، وإطعام السغبان ، فيكون خيراً له من إنفاقه في عداوة محمد عليه الصلاة والسلام{[60242]} .

فصل في الفرق بين الفك والرق

الفكّ : التفريق ، ومنه فكُّ القيد وفكُّ الرقبة ، فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاد الحرفة ، وإبطال العبودية ، ومنه فكُّ الرهن ، وهو إزالته عن المرتهن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيُّمَا امرئٍ مُسْلمٍ أعتقَ امْرءاً مُسْلِمَاً كَانَ فِكاكَه مِنَ النَّارِ يَجرِي على كُلِّ عَضوٍ مِنهُ عُضواً مِنهُ » الحديث{[60243]} .

وسمي المرقوق رقبة ؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته ، وسمي عتقها فكَّا كفك الأسير من الأسْر ؛ قال : [ البسيط ]

5214- كَمْ مِنْ أسِيرٍ فَكَكنَاهُ بِلاَ ثَمَنٍ*** وجَرِّ نَاصِيةٍ كُنَّا مَواليهَا{[60244]}

قال الماورديُّ : ويحتمل ثانياً : إنه أراد فك رقبته ، وخلاص نفسه ، باجتناب المعاصي ، وفعل الطاعات ، ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل ، وهو أشبه بالصواب .

فصل في أن العتق أفضل من الصدقة

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : العِتْقُ أفضل من الصدقة ، وعند صاحبيه الصدقة أفضل ، والآية أدلّ على قول أبي حنيفة ، لتقديم العتق على الصدقة .


[60239]:ينظر: السبعة 686، والحجة 6/413، وإعراب القراءات 2/481، وحجة القراءات 764.
[60240]:ينظر: البحر المحيط 8/471، والدر المصون 6/526.
[60241]:ينظر: السابق، والمحرر الوجيز 5/485.
[60242]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/44) عن ابن زيد.
[60243]:تقدم تخريجه.
[60244]:ينظر شرح ديوان حسان بن ثابت 485، والقرطبي 20/46.