مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

ثم قال تعالى : { فك رقبة } والمعنى أن اقتحام العقبة هو الفك أو الإطعام ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الفك فرق يزيل المنع كفك القيد والغل ، وفك الرقبة فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية ، ومنه فك الرهن وهو إزالة غلق الرهن ، وكل شيء أطلقته فقد فككته ، ومنه فك الكتاب ، قال الفراء : في «المصادر » فكها يفكها فكاكا بفتح الفاء في المصدر ولا تقل بكسرها ، ويقال : كانت عادة العرب في الأسارى شد رقابهم وأيديهم فجرى ذلك فيهم وإن لم يشدد ، ثم سمي إطلاق الأسير فكاكا ، قال الأخطل :

أبني كليب إن عمى اللذا *** قتلا الملوك وفككا الأغلال

المسألة الثانية : فك الرقبة قد يكون بأن يعتق الرجل رقبة من الرق ، وقد يكون بأن يعطي مكاتبا ما يصرفه إلى جهة فكاك نفسه ، روى البراء بن عازب ، قال : «جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال : عتق النسمة وفك الرقبة قال : يا رسول الله أوليسا واحدا ؟ قال : لا ، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة ، أن تعين في ثمنها » وفيه وجه آخر وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى ، ويتخلص بها من النار .

المسألة الثالثة : قرئ { فك رقبة } أو إطعام ، والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وقرئ : { فك رقبة أو أطعم } على الإبدال من اقتحم العقبة ، وقوله : { وما أدراك ما العقبة } اعتراض ، قال الفراء : وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لقوله : { ثم كان } لأن فك وأطعم فعل ، وقوله : { كان } فعل ، وينبغي أن يكون الذي يعطف عليه الفعل فعلا ، أما لو قيل : ثم إن كان كان ذلك مناسبا لقوله : { فك رقبة } بالرفع لأنه يكون عطفا للاسم على الاسم .

المسألة الرابعة : عند أبي حنيفة العتق أفضل أنواع الصدقات ، وعند صاحبيه الصدقة أفضل ، والآية أدل على قول أبي حنيفة : لتقدم العتق على الصدقة فيها .