روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

وقوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ مَن دساها } [ الشمس : 10 ] وجعل الزمخشري قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ } الخ تابعاً لقوله تعالى : { فَأَلْهَمَهَا } الخ على سبيل الاستطراد وأبى أن يكون جواب القسم وجعل الجواب محذوفاً مدلولاً عليه بهذا كأنه قيل ليدمدمن الله تعالى على كفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحاً عليه السلام فقيل إن ذلك لما يلزم من حذف اللام وأنه لا يليق بالنظم المعجز أن يجعل أدنى الكمالين أعني التزكية لاختصاصها بالقوة العملية المقصود بالإقسام ويعرض عن أعلاهما أعني التحلية بالعقائد اليقينية التي هي لب الألباب وزبدة ما مخضته الأحقاب ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأما حذف المقسم عليه فكثير شائع لا سيما في الكتاب العزيز وتعقب بأن حذف اللام كثير لا سيما مع الطول وهو أسهل من حذف الجملة بتمامها وقد ذكره في { قد أفلح المؤمنون } [ المرمنون : 1 ] فما حدا مما بدأ وأن التزكية مراداً بها الإنماء لا اختصاص لها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحياناً لتوقف المقاصد عليها فتدبر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال في فألهما ألزمها وأخرجه الديلمي عن أنس مرفوعاً وعلى ذلك قال الواحدي وصاحب المطلع الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان فإذا أوقع سبحانه في قلب عبد شيئاً منهما فقد ألزمه سبحانه ذلك الشيء ويزيد ذلك قوة ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال عليه الصلاة والسلام لا بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 7 ، 8 ] ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لقدرة العبد واختياره مدخل في الفجور والتقوى بالكلية وإن قيل أن مآله إلى خلق الله تعالى إياهما ليقال يأباه حينئذٍ قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها } [ الشمس : 9 ] الخ حيث جعل فيه العبد فاعل التزكية بالتقوى والتدسية بالفجور لأن الإسناد يقتضي قيام المسند ويكفي فيه المدخلية المذكورة ولا يتوقف صحة الإسناد حقيقة إلى العبد على كون فعله الإيجاد فالاستدلال بهذا الإسناد على كونه متمكناً من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى وإيجاده إياه بقدرة مستقلة فيه على خلاف ما يقوله الجماعة ليس بشيء على أن الضمير المستتر في زكاها وكذا في دساها الله عز وجل والبارز لمن بتأويل النفس فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في ذلك يقول الله تعالى : قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه فهداه وقد خاب من دسى الله تعالى نفسه فأضله بل أخرج عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها } الآية أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس خيبها الله تعالى من كل خير وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها " وفي رواية الطبراني وغيره عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام إذا تلا هذه الآية وقف وقال ذلك ولهذه الأخبار ونحوها قال بعضهم : إن ذلك هو المرجح ورجحه صاحب الانتصاف بأن الضمائر في { والسماء وما بناها } [ الشمس : 5 ] الخ تكون عليه متسقة عائدة كلها إلى الله تعالى وبأن قوله تعالى { قد أفلح من تزكى } [ الأعلى : 14 ] أوفق به لأن تزكي مطاوع زكي فيكون المعنى قد أفلح من زكاه الله تعالى فتزكى ومع هذا كله لا ينبغي أن ينكر أن المعنى السابق هو السابق إلى الذهن وما ذكر من الأخبار ليس نصاً في تعيين المعنى الآخر نعم هو نص في تكذيب الزمخشري في زعمه أنه من تعكيس القدرية يعني بهم أهل السنة والجماعة فتأمل . والطغوي مصدر من الطغيان بمعنى تجاوز الحد في العصيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلي من بنات الياء بأن قلبوا الياء واواً في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا في الصفة امرأة صديا وخزيا وفي الاسم تقوى وطغوى كذا في «الكشاف » وغيره وكلام الراغب يدل على أن طغى واوي ويائي حيث قال يقال : طغوت وطغيت طغواناً وطغياناً فلا تغفل . والباء عند الجمهور للسببية أي فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمني الخبيث بجرائته على الله تعالى وجعلها الزمخشري للاستعانة والأمر سهل وجوز أن تكون صلة للتكذيب على معنى كذبت بما أوعدت به في لسان نبيها من العذاب ذي الطغوى أي التجاوز عن الحد والزيادة ويوصف العذاب بالطغيان بهذا المعنى كما في وقوله تعالى : { فَأُهْلِكُواْ بالطاغية } [ الحاقة : 5 ] وقد يوصف بالطغوى مبالغة كما يوصف بسائر المصادر لذلك فلا يكون هناك مضاف محذوف . وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة طغواها بضم الطاء وهو مصدر أيضاً كالرجعى والحسنى في المصادر إلا أنه قيل كان القياس الطغيا كالسقيا لأن فعلى بالضم لا يفرق فيه بين الاسم والصفة كأنهم شذوا فيه فقلبوا الياء واواً وأنت تعلم أن الواو عند من يقول طغوت أصلية .

/خ15

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

قوله تعالى : { كذبت ثمود بطغواها 11 إذ انبعث أشقاها 12 فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها 13 فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها 14 ولا يخاف عقباها } .

يبين الله في ذلك ما حل بثمود قوم صالح . هؤلاء الطغاة العتاة الذين دعاهم نبيهم صالح إلى دين الله وحذرهم الضلال والشرك وقتل الناقة ، لكنهم كذبوه وعتوا عن أمر الله وأبو إلا الطغيان في العصيان ، فأخذهم الله ببطشه الشديد وانتقامه المفظع . وهو قوله : { كذبت ثمود بطغواها } أي كذبوا رسولهم صالحا بسبب طغيانهم وعتوهم . فالحامل لهم على التكذيب ، ما كانوا عليه من شديد الطغيان والتمرد .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ كذبت ثمود بطغواها } يعني الطغيان والشقاء حملها [ ثمود ] على التكذيب ، لأنه طغى عليهم الشقاء مرتين ، مرة بما كذبوا الله عز وجل ، وعموا عن الإيمان به ، والأخرى عقروا الناقة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

كذّبت ثمود بطغيانها ، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام ، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم ، كما قال جلّ ثناؤه : "فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة" ... عن ابن عباس ، في قول الله : "كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها" قال : اسم العذاب الذي جاءها ، الطّغْوَى ، فقال : كذّبت ثمود بعذابها ...

وقال آخرون : كذّبت ثمود بمعصيتهم الله ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك بأجمعها ...

وقيل "طَغْوَاها" بمعنى : طغيانهم ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ولم يبين لمن كذبوا ، وقد بينه في آية أخرى ، فقال : { كذبت ثمود المرسلين } [ الشعراء : 14 ] .

وقوله تعالى : { بطغواها } يحتمل وجهين :

أحدهما لأجل معصيتهم وطغيانهم ؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره ، وإلا لو تفكروا في ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجدوا موضع التكذيب .

والثاني : بأهل طغواها ، أي كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان ، فيكون في هذه الآية أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم أو بحجة كانت لهم ، بل كذبوه عن عناد منهم وتيقن برسالته ؛ وذلك أن نبيهم صالحا عليه السلام جاوزته الحجج ، لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم وعلى تعد منهم في السؤال على شيء يشيرون إليه ؛ فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه .

ثم من حكمة الله أن الحجة إذا كانت على إثر السؤال ، ثم ظهر التكذيب من السائلين ، هي الاستئصال في الدنيا ، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب ، فعوقبوا بالاستئصال . قال الله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة } [ الإسراء : 59 ] فبين الله تعالى المعنى الذي لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنهم لما أوتوا ، ثم عندوا ، استؤصلوا ؛ فقد أراد الله تعالى إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بعد ذلك يعرض نموذجا من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلا هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قدمت هذه الآيات مصداقاً تاريخياً واضحاً لهذه السنّة الإلهية ، وتحدثت عن مصير قوم «ثمود » بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق . «الطغوى » و«الطغيان » بمعنى واحد وهو تجاوز الحد ، وفي الآية تجاوز الحدود الإلهية والعصيان أمام أوامره . «قوم ثمود » من أقدم الأقوام التي سكنت منطقة جبلية بين «الحجاز » و«الشام » . كانت لهم حياة رغدة مرفهة ، وأرض خصبة ، وقصور فخمة ، غير أنّهم لم يؤدوا شكر هذه النعم ، بل طغوا وكذبوا نبيّهم صالحاً ، واستهزأوا بآيات اللّه ، فكان عاقبة أمرهم أن أبيدوا بصاعقة سماوية . ...