{ قالوا أو لم تك تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات } أي لم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما في قوله تعالى : { ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات بكم وينذونكم لقاء يومكم هذا } وأرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء وتعطيل أسباب الإجابة { قَالُواْ بلى } أي أتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى : { بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَىْء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ } [ الملك : 9 ] والفاء في قوله تعالى : { قَالُواْ فادعوا } فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإن الدعاء لمن يفعل فعلكم ذلك مستحيل صدوره عنا ، وقيل : في تعليل امتناع الخزنة عن الدعاء : لأنا لم نؤذن في الدعاء لأمثالكم ، وتعقب بأنه مع عرائه عن بيان أن سببه من قبل الكفرة كما يفصح عنه الفاء ربما يوهم أن الإذن في حيز الإمكان وأنهم لو أذن لهم لفعلوا فالتعليل الأول أولى ، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء اطماعهم في الإجابة بل إقناطهم منها وإظهار خيبتهم حيثما صرحوا به في قولهم : { وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِى ضلال } أي في ضياع وبطلان أي لا يجاب ، فهذه الجملة من كلام الخزنة ، وقيل : هي من كلامه تعالى إخباراً منه سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم . واستدل بها مطلقاً من قال : إن دعاء الكافر لا يستجاب وأنه لا يمكن من الخروج في الاستسقاء ، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة ، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له .
ثم تجيبهم ملائكة النار الخزنة { أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } استفهام توبيخ وتعنيف وإلزام للحجة وإشعار بعدم الجدوى من التذلل والندامة ؛ فقد مضى وقت التضرع والدعاء ؛ إذ كانت الدنيا زمانا لذلك فهي دار اختبار وابتلاء وعمل وتبليغ ؛ فقد بعث الله فيهم رسله يبلغونهم دعوته وينذرونهم لقاء يومهم هذا فأعرضوا وجحدوا واستكبروا فإذا نقضت الحياة الدنيا ووقعت الواقعة فحينئذ لا ينفع العمل أو الدعاء ولا تجدي الضراعة والتوبة .
قوله : { قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا } أقروا بتفريطهم وخطيئتهم ؛ إذ جحدوا نبوة المرسلين وكذبوا بما جاءوهم به . فقالت لهم الملائكة على سبيل التهكم والتيئيس زيادة في التنكيل بهم { فَادْعُوا } أي ادعوا أنتم أن يخفف عنكم شيئا من العذاب فإن لا نجترئ على مثل هذا الدعاء { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ } لا يستجاب للكافرين في النار دعاء . وأيما دعاء لهم حينئذ إنما هو ضرب من اليأس والعبث وهو صائر إلى البطلان والخيبة{[4024]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.