روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

{ تِلْكَ آيات الله } مبتدأ وخبر ، وقوله تعالى : { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } حال عاملها معنى الإشارة نحو { هذا بَعْلِى شَيْخًا } [ هود : 72 ] على المشهور ، وقيل : هو الخبر و { الله إِلاَّ } بدل أو عطف بيان وقوله سبحانه : { بالحق } حال من فاعل { نَتْلُوهَا } أو من مفعوله أي نتلوها محقين أو ملتبسة بالحق فالباء للملابسة ويجوز أن تكون للسببية الغائية ، والمراد بالآيات المشار إليها إما آيات القرآن أو السورة أو ما ذكر قبل من السموات والأرض وغيرهما فتلاوتها بتلاوة ما يدل عليها ، وفسرت بالسرد أي نسردها عليك .

وقال ابن عطية : الكلام بتقدير مضاف أي نتلوا شأنها وشأن العبرة بها . وقرئ { يتلوها } بالياء على أن الفاعل ضميره تعالى والمراد على القراءتين تلاوتها عليه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك عليه السلام { يَعْقِلُونَ تَلْكَ ءايات الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق } هو من باب قولهم : أعجبني زيد وكرمه يريدون أعجبني كرم زيد إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة في الإعجاب أي فبأي حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون ، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان ولا آية أدل من هذه الآية ، وتفخيم شأن الآيات من اسم الإشارة وإضافتها إلى الله عز وجل ، وجعل { نَتْلُوهَا } حالاً مع ضمير التعظيم ثم تكرير الاسم الجليل للنكتة المذكورة وإضافتها إليه بواسطة الضمير مرة أخرى ، وقد ذكر ذلك الزمخشري وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بشيء لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة والعطف ، والمراد غير العفط من إخراجه إلى باب البدل لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في أعجبني زيد كرمه بغير واو على البدل وهذا قلب لحقائق النحو ، وإنما المعنى في المثال أن ذات زيد أعجبته وأعجبه كرمه فهما إعجابان لا إعجاب واحد وهو مبني على عدم التعمق في فهم كلام جار الله .

ومن تعمق فيه لا يرى أنه قائل بالإقحام وإنما بيان حاصل المعنى يوهمه ، وبين هذه الطريقة وطريقة البدل مغايرة تامة ، فقد ذكر أن فائدة هذه الطريقة وهي طريقة إسناد الفعل إلى شيء والمقصود إسناده إلى ما عطف عليه قوة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه من جهة الدلالة على أنه صار من التلبس بحيث يصح أن يسند أوصافه وأفعاله وأحواله إلى الأول قصداً لأنه بمنزلته ولا كذلك البدل لأن المقصود فيه بالنسبة هو الثاني فقط وهنا هما مقصودان ، فإن قلت : إذا لم يكن ذلك الوصف منسوباً للمعطوف عليه لزم إقحامه كما قال أبو حيان ، وما يذكر من المبالغة لا يدفع المحذور ، وعلى فرض تسليمه فدلالته على ما ذكر بأي طريق من طرق الدلالة المشهورة .

أجيب بأنه غير منسوب إليه في الواقع لكن لما كان بينهما ملابسة تامة من جهة ما ككون الآيات ههنا بإذنه تعالى أو مرضية له عز وجل جعل كأنه المقصود بالنسبة وكنى بها عن ذلك الاختصاص كناية إيمائية ثم عطف عليه المنسوب إليه وجعل تابعاً فيها وبهذا غاير البدل مغايرة تامة غفل عنها المعترض فالنسبة بتمامها مجازية كذا قرره بعض المحققين .

وقال الواحدي : أي فبأي حديث بعد حديث الله أي القرآن وقد جاء إطلاقه عليه في قوله تعالى : { الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث } [ الزمر : 23 ] وحسن الإضمار لقرينة تقدم الحديث ، وقوله سبحانه : { وءاياته } عطف عليه لتغايرهما إجمالاً وتصيلاً لأن الآيات هي ذلك الحديث ملحوظ الأجزاء ، وإن أريد ما بين فيه من الآيات والدلائل فليس من عطف الخاص على العام لأن الآيات ليست من القرائن وإنما وجه دلالتها وإيرادها منه فيكون في هذا الوجه الدلالة أيضاً على حال البيان والمبين كما في الوجه الأول ، وقال الضحاك : أي فبأي حديث بعد توحيد الله ولا يخفى أنه بظاهره مما لا معنى له فلعله أراد بعد حديث توحيده تعالى أي الحديث المتضمن ذلك أو هو بعد تقدير المضاف من باب أعجبني زيد وكرمه ، وأياً ما كان فالفاء في جواب شرط مقدر والظرف صفة { حَدِيثُ } وجوز أن يكون متعلقاً بيؤمنون قدم للفاصلة .

وقرأ ابن عامر . وأبو بكر . وحمزة . والكسائي { تُؤْمِنُونَ } بالتاء الفوقانية وهو موافق لقوله تعالى : { وَفِى خَلْقِكُمْ } [ الجاثية : 4 ] بحسب الظاهر والصورة وإلا فالمراد هنا الكفار بخلاف ذلك .

وقرأ طلحة { تُوقِنُونَ } بالتاء الفوقانية والقاف من الإيقان .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

قوله تعالى : { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون 6 ويل لكل أفّاك أثيم 7 يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصرّ مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم 8 وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 9 من ورآئهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم 10 هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم } .

يبين الله للناس أن ما أنزل إليهم من ربهم لهو الحق ، وأن ما يدعو الناس من دونه هو الباطل . فأنى لهم بعد ذلك أن يكذبوا ويعرضوا ؟ وهو قوله سبحانه : { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } يعني هذه آيات القرآن التي تحمل للناس الدلائل والحجج بما تضمنته من جليل الأخبار والمعاني ، وروعة النظم والأسلوب والمباني { نتلوها عليك بالحق } أي بالصدق الذي ليس فيه باطل ، والسداد الذي لا زيغ فيه .

قوله : { فبأيّ حديث بعد الله وآياته يؤمنون } يعني إن كان الناس لا يصدقون أو يوقنون بهذه الآيات والدلائل والحجج فبأي كلام بعد ذلك يصدقون أو يوقنون ؟ وإن كانوا غير موقنين بآيات القرآن المعجز المنزل من عند الله الخالق الحكيم ، فبأي حديث أو نظم أو كلام بعد ذلك يصدقون ؟ لا جرم أن القرآن لهو أكرم وأكمل ما عهده الكون كله من ظواهر . إن القرآن حدث رباني هائل جعله الله للعالمين هداية ونورا ، فإذا لم تهتد به البشرية ، فبأي شيء بعد ذلك تؤمن أو تهتدي .