البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ} (6)

{ تلك آيات الله } : أي تلك الآيات ، وهي الدلائل المذكورة ؛ { نتلوها } : أي نسردها عليك ملتبسة بالحق ، ونتلوها في موضع الحال ، أي متلوة .

قال الزمخشري : والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة ونحوه ، وهذا بعلى شيخاً .

انتهى ، وليس نحوه ، لأن في وهذا حرف تنبيه .

وقيل : العامل في الحال ما دل عليه حرف التنبيه ، أي تنبه .

وأما تلك ، فليس فيها حرف تنبيه عاملاً بما فيه من معنى التنبيه ، لأن الحرف قد يعمل في الحال : تنبه لزيد في حال شيخه وفي حال قيامه .

وقيل : العامل في العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى ، أي انظر إليه في حال شيخه ، فلا يكون اسم الإشارة عاملاً ولا حرف التنبيه ، إن كان هناك .

وقال ابن عطية : نتلوها ، فيه حذف مضاف ، أي نتلو شأنها وشرح العبرة بها .

ويحتمل أن يريد بآيات الله القرآن المنزل في هذه المعاني ، فلا يكون في نتلوها حذف مضاف . انتهى .

ونتلوها معناه : يأمر الملك أن نتلوها .

وقرىء : يتلوها ، بياء الغيبة ، عائداً على الله ؛ وبالحق : بالصدق ، لأن صحتها معلومة بالدلائل العقلية .

{ فبأي حديث } الآية ، فيه تقريع وتوبيخ وتهديد ؛ { بعد الله } : أي بعد حديث الله ، وهو كتابه وكلامه ، كقوله : { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً } وقال : { فبأي حديث بعده يؤمنون } أي بعد حديث الله وكلامه .

وقال الضحاك : بعد توحيد الله .

وقال الزمخشري : بعد الله وآياته ، أي بعد آيات الله ، كقولهم : أعجبني زيد وكرمه ، يريدون : أعجبني كرم زيد . انتهى .

وهذا ليس بشيء ، لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة ؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل ، لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في : أعجبني زيد كرمه ، بغير واو على البدل ؛ وهذا قلب لحقائق النحو .

وإنما المعنى في : أعجبني زيد وكرمه ، أن ذات زيد أعجبته ، وأعجبه كرمه ؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد ، وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم .

وقرأ أبو جعفر ، والأعرج ، وشيبة ، وقتادة ، والحرميان ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية : يؤمنون ، بالياء من تحت ؛ والأعمش ، وباقي السبعة : بتاء الخطاب ؛ وطلحة : توقنون بالتاء من فوق ، والقاف من الإيقان .