روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} (22)

وقوله جل وعلا : { بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ } إبطال لأن يكون لهم حجة أصلاً أي لا حجة لهم على ذلك عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم ، والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي كالرحلة للرجل العظيم الذي يقصد في المهمات يقال : فلان لا أمة له أي لا دين ولا نحلة ، قال الشاعر :

وهل يستوى ذو أمة وكفور *** وقال قيس بن الحطيم :

كنا على أم آبائنا *** ويقتدي بالأول الآخر

وقال الجبائي : الأمة الجماعة والمراد وجدنا آباءنا متوافقين على ذلك ، والجمهور على الأول وعليه المعول ، ويقال فيها إمة بكسر الهمزة أيضاً وبها قرأ عمر بن عبد العزيز . ومجاهد . وقتادة . والجحدري .

وقرأ ابن عياش { أُمَّةٍ } بفتح الهمزة ، قال في «البحر » : أي على قصد وحال ، و { على أُمَّةٍ وَإِنَّا } قيل خبر إن لأن ، وقيل : على آثارهم صلة { مُّهْتَدُونَ } ومهتدون هو الخبر ، هذا وجعل الزمخشري الآية دليلاً على أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء سبحانه الايمان ، وكفر أهل السنة القائلين بأن المقدورات كلها بمشيئة الله تعالى ، ووجه ذلك بأن الكفار لما ادعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا : { لَوْ شَاء الرحمن } [ الزخرف : 20 ] الخ أي لو شاء جل جلاله منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها رد { الله } تعالى ذلك عليهم وأبطل اعتقادهم بقوله سبحانه : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الزخرف : 20 ] الخ فلزم حقيقة خلافه وهو عين ما ذهب إليه ، والجملة عطف على قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ } [ الزخرف : 15 ] أو على { جَعَلُواْ الملائكة } [ الزخرف : 19 ] الخ فيكون ما تضمنته كفراً آخر ويلزمه كفر القائلين بأن الكل بمشيئته عز وجل ، ومما سمعت يعلم رده ، وقيل : في رده أيضاً : يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة عليهم السلام بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً دون ما قصدوه من قولهم : { لَوْ شَاء } الخ وما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فإنه حكاية شبهتهم المزيفة لأن العبادة للملائكة وإن كانت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهي عنها وهذا خلاف الظاهر .

وقال بعض الأجلة : إن كفرهم بذلك لأنهم قالواه على جهة الاستهزاء ، ورده الزمخشري بأن السياق لا يدل على أنهم قالوه مستهزئين ؛ على الله تعالى قد حكى عنهم على سبيل الذم والشهادة بالكفر أنهم جعلوا له سبحانه جزأ وأنه جل وعلا اتخذ بنات واصطفاهم بالبنين وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين أناثاً وأنهم عبدوهم وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لوجدوا بالنطق به مدحاً لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقي أن يكونوا جادين ويشترك كلها في أنها كلمات كفر ، فإن جعلوا الأخير وحده مقولاً على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله تعالى ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزأ لم يكن لقوله سبحانه : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الزخرف : 20 ] الخ معنى لأن الواجب فيمن تكلم بالحق استهزاء أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب ، ولا يخفى أن رده بأنه لا يدل عليه السياق صحيح ، وأما ما ذكر من حكاية الله سبحانه والتعويج فلا لأنه تعالى ما حكى عنهم قولاً أولاً بل أثبت لهم اعتقاداً يتضمن قولاً أو فعلاً وقد بين أنهم مستخفون في ذلك العقد كما أنهم مستخفون في هذا القول فقوله : لو نطقوا الخ لا مدخل له في السابق وليس فيه تعويج البتة من هذا الوجه وكذلك قوله : لم يكن لقوله تعالى : { مَّا لَهُم } الخ معنى مردود لأن الاستهزاء باب من الجهل كما يدل عليه قول موسى عليه السلام { أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين } وقد تقدم في البقرة ( 67 ) ، وأما الكذب فراجع إلى مضمونه والمراد منه كما سمعت فمن قال لا إله إلا الله استهزاء مكذب فيما يلزم من أنه اخبار عن إثبات التعدد لأنه إخبار عن التوحيد فافهم كذا في «الكشف » .

وفيه أيضاً أن قولهم : { لَوْ شَاء الرحمن } [ الزخرف : 20 ] الخ فهم منه كونه كفراً من أوجه . أحدها : أنه اعتذار عن عبادتهم الملائكة عليهم السلام التي هي كفر وإلزام أنه إذا كان بمشيئته تعالى لم يكن منكراً .

والثاني : أن الكفر والايمان بتصديق ما هو مضطر إلى العلم بثبوته بديهة أو استدلالاً متعلقاً بالمبدأ والمعاد وتكذيبه لا بإيقاع الفعل على وفق المشيئة وعدمه .

والثالث : أنهم دفعوا قول الرسل بدعوتهم إلى عبادته تعالى ونهيهم عن عبادة غيره سبحانه بهذه المقالة ثم أنهم ملزمون على مساق هذا القول لأنه إذا استند الكل إلى مشيئته تعالى شأنه فقد شاء إرسال الرسل وشاء دعوتهم للعباد وشاء سبحانه جحودهم وشاء جل وعلا دخولهم النار فالإنكار والدفع بعد هذا القول دليل على أنهم قالوه لا عن اعتقاد بل مجازفة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى في مثله : { قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأنعام : 149 ] وفيه أنهم يعجزون الخالق بإثبات التمانع بين المشيئة وضد المأمور به فيلزم أن لا يريد إلا ما أمر سبحانه به ولا ينهى جل شأنه إلا وهو سبحانه لا يريده وهذا تعجيز من وجهين . إخراج بعض المقدورات عن أن يصير محلها وتضييق محل أمره ونهيه ؛ وهذا بعينه مذهب إخوانهم من القدرية ؛ ولهذه النكتة جعل قولهم : { وَقَالُواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم } [ الزخرف : 20 ] معتمد الكلام ولم يقل : وعبدوا الملائكة وقالوا : لو شاء ونظير قولهم في أنه إنما أتى به لدفع ما علم ضرورة قوله تعالى : { لَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ ملائكة } [ فصلت : 14 ] فالدفع كفر والتعجيز كفر في كفر ، وقوله تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الزخرف : 20 ] يحتمل أن يرجع إلى جميع ما سبق من قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ } [ الزخرف : 15 ] إلى هذا المقام ويحتمل أن يرجع إلى الأخير فقد ثبت أنهم قالوه من غير علم وهو الأظهر للقرب وتعقيب كل بإنكار مستقل وطباقه لما في الأنعام ، وقوله سبحانه : { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 116 ] على هذا التكذيب المفهوم منه راجع إلى استنتاج المقصود من هذه اللزومية فقد سبق أنها عليهم لا لهم ولوح إلى طرف منه في سورة الأنعام أو إلى الحكم بامتناع الانفكاك مع تجويز الحاكم الانفكاك حال حكمه فإن ذلك يدل على كذبه وإن كان ذلك الحكم في نفسه حقاً صحيحاً يحق أن يعلم كما تقول زيد قائم قطعاً أو البتة وعندك احتمال نقيضه .

وليس هذا رجوعاً إلى مذهب من جعل الصدق بطباقه للمعتقد فافهم ، على أنه لما كان اعتذاراً على ما مر صح أن يرجع التكذيب إلى أنه لا يصلح اعتذاراً أي أنهم كاذبون في أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها ، وهذا ما آثره الإمام . والعلامة . والقاضي ، والظاهر ما قدمناه . وتعقيب الخرص على وجه البيان أو الاستئناف عن قوله تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الزخرف : 20 ] وقوله تعالى : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن } في سورة الأنعام ( 116 ) دليل على ما أشرنا فقد لاح للمسترشد أن الآية تصلح حجة لأهل السنة لا للمعتزلة ؛ وقال في آية سورة الأنعام : إن قولهم هذا إما لدعوى المشروعية رداً للرسل أو لتسليم أنهم على الباطل اعتذاراً بأنهم مجبورون ، والأول باطل لأن المشيئة تتعلق بفعلهم المشروع وغيره فما شاء الله تعالى أن يقع منهم مشروعاً وقع كذلك وما شاء الله تعالى أن يقع لا كذلك وقع لا كذلك .

ولا شك أن من توهم أن كون الفعل بمشيئته تعالى ينافي مجيء الرسل عليهم السلام بخلاف ما عليه المباشر من الكفر والضلال فقد كذب التكذيب كله وهو كاذب في استنتاج المقصود من هذه اللزومية وظاهر الآية مسوق لهذا المعنى ، والثاني على ما فيه من حصول المقصود وهو الاعتراف بالبطلان باطل أيضاً إذ لا جبر لأن المشيئة تعلقت بأن يشركوا اختياراً منهم والعلم تعلق كذلك فهو يؤكد دفع القدر لا أنه يحققه وإليه الإشارة بقوله تعالى : { قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة } [ الأنعام : 149 ] ثم إنهم كاذبون في هذا القول لجزمهم حيث لا ظن مطلقاً فضلاً عن العلم وذلك لأن من المعلوم أن العلم بصفات الله سبحانه فرع العلم بذاته جل وعلا والايمان بها كذلك والمحتجون به كفرة مشركون مجسمون ، ونقل العلامة الطيبي نحواً من الكلام الأخير عن إمام الحرمين عليه الرحمة في الإرشاد اه .

وقد أطال الأعلام الكلام في هذا المقام وأرى الرجل سقى الله تعالى مرقده صهيب الرضوان قد مخض كل ذلك وأتى بزبده بل لم يترك من التحقيق شيئاً لمن أتى من بعده فتأمل والله عز وجل هو الموفق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} (22)

قوله تعالى : { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة } على دين وملة ، قال مجاهد : على إمام . { وإنا على آثارهم مهتدون } جعلوا أنفسهم بإتباع آبائهم الأولين مهتدين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{بل قالوا}: ولكنهم قالوا.

{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}.

تفسير الشافعي 204 هـ :

قال الشافعي: الأمة على ثلاثة وجوه: قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} قال: على دين.

وقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} قال: بعد زمان.

وقوله: {اِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلهِ} قال: معلما. (أحكام الشافعي: 1/42. ون مناقب الشافعي: 1/298.)...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ما آتينا هؤلاء القائلين: لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء الأوثان بالأمر بعبادتها، كتابا من عندنا، ولكنهم قالوا: وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها، فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها وعنى جلّ ثناؤه بقوله:"بَلْ قالوا إنا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ": بل وجدنا آباءنا على دين وملة، وذلك هو عبادتهم الأوثان... واختلفت القرّاء في قراءة قوله: "على أُمّةٍ"؛ فقرأته عامة قرّاء الأمصار "على أُمّةٍ "بضم الألف، بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة. وذُكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرآه «على إمّةٍ» بكسر الألف. وقد اختُلف في معناها إذا كُسرت ألفها؛ فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كُسرت على أنها الطريقة، وأنها مصدر من قول القائل: أممت القوم فأنا أؤمهم إمّة... ووجهه بعضهم إذا كُسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم والمُلك... وقال بعضهم: الأُمّة بالضم، والإمّة بالكسر بمعنى واحد.

والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره: الضمّ في الألف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلاّ معنى الطريقة والمنهاج، على ما ذكرناه قبلُ، لا النعمة والملك، لأنه لا وجه لأن يقال: إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك، لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة، لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كلّ من أراده.

وقوله: "وَإنّا على آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ" يقول: وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون، يعني: لهم متبعون على منهاجهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إنهم قوم يُنكرون الرسل ويكذّبونهم بعلة أنهم بشر، ثم اقتدوا بآبائهم، واتبعوهم، وهم بشر أيضا، فهذا تناقض في القول.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

فيه الدلالة على إبطال التقليد لذمّه إياهم على تقليد آبائهم، وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

بل لا حجة لهم يستمسكون بها إلا قولهم {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} على دين. وقرئ «على إمة» بالكسر، وكلتاهما من الأمّ وهو القصد، فالأمة: الطريقة التي تؤم، أي: تقصد... والأمة: الحالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد. وقيل: على نعمة وحالة حسنة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

الآية على هذا استمرار في احتجاجهم، لأنهم يقولون: وجدنا آباءنا في نعمة من الله وهم يعبدون الأصنام، فذلك دليل رضاه عنهم، وكذلك اهتدينا نحن بذلك {على آثارهم}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الجواب قطعاً عن هذين الاستفهامين: ليس لهم ذلك على مطلق ما قالوا ولا مقيده من صريح عقل ولا صحيح نقل إلى من يصح النقل عنه من أهل العلم بالأخبار الإلهية، نسق عليه قوله إرشاداً إليه: {بل قالوا} أي في جوابهم عن قول ذلك واعتقاده مؤكدين إظهاراً جهلاً أو تجاهلاً؛ لأن ذلك لم يعب عليهم إلا لظن أنه لا سلف لهم أصلا فيه، فإذا ثبت أنه عمن تقدمهم انفصل النزاع: {إنا وجدنا آباءنا} أي وهم أرجح منا عقولاً وأصح أفهاماً.

{على أمة} أي طريقة عظيمة يحق لها أن تقصد وتؤم...

ولما علم ذلك من حالهم، ولم يكن صريحاً في الدلالة على الهداية، بينوا الجار والمجرور، وأخبروا بعد الإخبار واستنتجوا منه قولهم استئنافاً لجواب من سأل:

{مهتدون} أي نحن، فإذا ثبت بهذا الكلام المؤكد أنا ما أتينا بشيء من عند أنفسنا ولا غلطنا في الاتباع واقتفاء الآثار، فلا اعتراض علينا بوجه، هذا قوله في الدين بل في أصوله التي من ضل في شيء منها هلك، ولو ظهر لأحد منهم خلل في سعي أبيه الدنيوي الذي به يحصل الدينار والدرهم ما اقتدى به أصلاً وخالفه أي مخالفة، ما هذا إلا لمحض الهوى وقصور النظر، وجعل محطه الأمر الدنيوي الحاضر، لا نفوذ لهم في المعاني بوجه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قولة تدعو إلى السخرية، فوق أنها متهافتة لا تستند إلى قوة. إنها مجرد المحاكاة ومحض التقليد، بلا تدبر ولا تفكر ولا حجة ولا دليل. وهي صورة مزرية تشبه صورة القطيع يمضي حيث هو منساق؛ ولا يسأل: إلى أين نمضي؟ ولا يعرف معالم الطريق! والإسلام رسالة التحرر الفكري والانطلاق الشعوري لا تقر هذا التقليد المزري، ولا تقر محاكاة الآباء والأجداد اعتزازاً بالإثم والهوى. فلا بد من سند، ولا بد من حجة، ولا بد من تدبر وتفكير، ثم اختيار مبني على الإدراك واليقين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا إضراب إبطال عن الكلام السابق من قوله تعالى: {فهم به مستمسكون} فهو إبطال للمنفي لا للنفي، أي ليس لهم علم فيما قالوه ولا نقل. فكان هذا الكلام مسوقاً مساق الذمّ لهم؛ إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرّسول وبين ما تلقوه من آبائهم؛ فإن شأن العاقل أن يميّز ما يُلقَى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهذا هو المنهج الذي يمنع التغيير والتطور والتصحيح لأخطاء الماضي، عندما يتحوّل التاريخ إلى حالةٍ فكريةٍ أو روحيةٍ أو عمليةٍ مقدّسةٍ لا تسمح بأيّ نقاشٍ حول المضمون الفكري أو الروحي أو العملي الذي تلتزمه.. وقد أكّده المترفون الذين يقفون أمام عملية التغيير الاجتماعي أو الفكري أو السياسي التي قد تلغي امتيازاتهم نتيجة ما تحدثه الأفكار الجديدة من إعادة نظر في كثيرٍ من المفاهيم المألوفة أو المتوارثة بعد عرضها على ميزان الفكر والواقع، المراد تطويره أو تغييره، لينطلق الجيل الجديد بعقليةٍ جديدةٍ ونهج جديد. وعلى ضوء ذلك كان الجمود هو الطابع الذي يعمل المترفون الطغاة على إحكام سيطرته على الفكر الإِنساني، بإعطاء فكر الآباء والتاريخ قداسة، تسلط سيفاً على مطلب الحرية الفكرية في كل القضايا التي يمكن أن يدور فيها الخلاف، في ساحات الحوار...

.