روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ } مع هذه البسطة والسعة في الملك والمال { مّنْ هذا الذى هُوَ مَهِينٌ } أي ضعيف حقير أو مبتذل ذليل فهو من المهانة وهي القلة أو الذلة { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي الكلام ، والجمهور أنه عليه السلام كان بلسانه بعض شيء من أثر الجمرة لكن اللعين بالغ .

ومن ذهب إلى أن الله تعالى كان أجاب سؤاله حل عقدة من لسانه فلم يبق فيه منها أثر قال : المعنى ولا يكاد يبين حجته الدالة على صدقه فيما يدعي لا أنه لا قدرة له على الإفصاح باللفظ وهو افتراء عليه عليه السلام ألا ترى إلى مناظرته له ورده عليه وإقحامه إياه ، وقيل : عابه بما كان به عليه السلام من الحبسة أيام كان عنده وأراد اللعين أنه عليه السلام ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به وهو في نفسه مخل بما ينعت به الرجال من اللسن وإبانة الكلام ، و { أَمْ } على ما نقل عن سيبويه والخليل متصلة ، وقد نزل السبب بعدها منزلة المسبب على ما ذهب إليه الزمخشري ، والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع { أَمْ أَنَا خَيْرٌ } موضع أم تبصرون .

وإيضاح ذلك أن فرعون عليه اللعنة لما قدم أسباب البسطة والرياسة بقوله : { أَلَيْسَ لِى } الخ وعقبه بقوله { أفلا تبصرون } [ الزخرف : 51 ] استقصاراً لهم وتنبيهاً على أنه من الوضوح بمكان لا يخفى على ذي عينين قال في مقابله : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ } بمعنى أم تبصرون أني أنا المقدم المتبوع ، وفي العدول تنبيه على أن هذا الشق هو المسلم لا محالة عندكم فكأنه يحكيه عن لسانهم بعدما أبصروا وهو أسلوب عجيب وفن غريب ، وجعله الزمخشري من إنزال السبب مكان المسبب لأن كونه خيراً في نفسه أي محصلاً له أسباب التقدم والملك سبب لأن يقال فيه أنت خير منه وقولهم : أنت خير سبب لكونهم بصراء وسبب السبب قد يقال له سبب فلا يرد ما يقال إن السبب قولهم : أنت خير لا قوله : أنا خير ، وقال القاضي البيضاوي : إنه من إنزال المسبب منزلة السبب لأن علمهم بأنه خير مستفاد من الإبصار ، وفيه أن المذكور أنا خير لا أم تعلمون أني خير ، وله أن يقول : ذلك يغني غناه لأنه جعله مسلماً معلوماً ما عندهم فقال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ } لا أم تعلمون كما سلف ، ولا يخفى أن ما ذكره الزمخشري أظهر كذا في «الكشف » ، وقال العلامة الثاني في تقرير ذلك : إن قوله : أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادعاه وقولهم : أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك والحكم به ، وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأن إبصارهم سبب لقولهم أنت خير فتأمل ، وبالجملة إن ما بعد { أَمْ } مؤول بجملة فعلية معلولة لفظاً ومعنى هي ما سمعت ونحو ذلك من حيث التأويل { أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صامتون } [ الأعراف : 193 ] أي أم صمتم ، وقوله :

أمخدج اليدين أم أتمت *** أي أم متما ، وقيل : حذف المعادل لدلالة المعنى عليه ، والتقدير أفلا تبصرون أم تبصرون أنا خير الخ ، وتعقب بأن هذا لا يجوز إلا إذا كان بعد أم لا نحو أيقول زيد أم لا أي أم لا يقوم فأما حذفه دون لا فليس من كلامهم ، وجوز أن يكون في الكلام طي على نهج الاحتباك والمعنى أهو خير مني فلا تبصرون ما ذكرتكم به أم أنا خير منه لأنكم تبصرونه ، ولا ينبغي الالتفات إليه ، وجوز غير واحد كون { أَمْ } منقطعة مقدرة ببل والهمزة التي للتقرير كأن اللعين قال أثر ما عدد أسباب فضله ومبادىء خيريته : أثبت عندكم واستقر لديكم أني خير وهذه حالي من هذا الخ ، ورجحه بعضهم لما فيه من عدم التكلف في أمر المعادل اللازم أولاً لحسن في المتصلة ، وقال السدي . وأبو عبيدة : أم بمعنى بل فيكون قد انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير كقول الشاعر :

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى *** وصورتها أم أنت في العين أملح

وقال أبو البقاء : إنها منقطعة لفظاً متصلة معنى وأراد ما تقدم من التأويل ، وليس فيه مخالفة لما أجمع عليه النحاة كما توهم ، وجملة { لاَ يَكَادَُ يُبِينُ } معطوفة على الصلة أو مستأنفة أو حالية . وقرىء { أَمَّا أَنَا خَيْرٌ } بإدخال الهمزة على ما النافية ، وقرأ الباقر رضي الله تعالى عنه { يُبِينُ } بفتح التاء من بان إذا ظهر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

قوله تعالى : { أم أنا خير } بل أنا خير ، " أم " بمعنى بل ليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : { أنا خير } ، { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { ولا يكاد يبين } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال فرعون: {أم أنا خير} يقول: أنا خير.

{من هذا} يعني موسى.

{الذي هو مهين} يعني ضعيف ذليل.

{ولا يكاد يبين} حجته يعني لسانه؛ لأن الله تعالى كان أذهب عقدة لسانه في طه حين قال: {واحلل عقدة من لساني} [طه:27]، قال الله تعالى: {قد أوتيت سؤلك يا موسى} [طه:36]...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم، "أمْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ "لا شيء له من المُلك والأموال مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟

وقد اختُلف في معنى قوله: "أمْ" في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير، وقالوا: ذلك خبر، لا استفهام...

وقال بعض نحويي الكوفة، هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله: "ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ"؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام، وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره، ويكون معنى الكلام حينئذٍ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين، أم هو؟...

وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك، تأويل من جعل: أمْ أنا خَيْرٌ؟ من الاستفهام الذي جعل بأم، لاتصاله بما قبله من الكلام، ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو، لما في الكلام من الدليل عليه.

وعنى بقوله: "مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ": من هذا الذي هو ضعيف لقلّة ماله، وأنه ليس له من الملك والسلطان ما له...

وقوله: "وَلا يَكادُ يُبِينُ" يقول: ولا يكاد يُبين الكلام من عِيّ لسانه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

استصغر موسى وحديثَه، وعابَه بالفقر.. فَسَلَّطه اللَّهُ عليه، وكان هلاكه بيديه، فما استصغر أحدُ أحداً إلا سَلَّطه اللَّهُ عليه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ولا يكاد يبين} يقتضي أنه كان يبين.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... حقر من عظمة الآتي له بتلك الآيات صلى الله عليه وسلم لئلا يسرع الناس إلى اتباعه لأن آياته -لكونها من عند الله- كالشمس بهجة وعلواً وشهرة فقال: {من هذا} فكنى بإشارة القريب عن تحقيره، ثم وصفه بما يبين مراده فقال: {الذي هو مهين ولا يكاد يبين} وقد كذب في جميع قوله، فقد كان موسى عليه الصلاة والسلام أبلغ أهل زمانه قولاً وفعلاً بتقدير الله الذي أرسله له وأمره إياه، ولكن الخبيث أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلاً لأتباعه لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما دعا بإزالة حبسته بل بعقدة منها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب!

(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين؟).

وهو يعني بالمهانة أن موسى ليس ملكاً ولا أميراً ولا صاحب سطوة ومال مشهود. أم لعله يشير بهذا إلى أنه من ذلك الشعب المستعبد المهين. شعب إسرائيل. أما قوله: (ولا يكاد يبين) فهو استغلال لما كان معروفاً عن موسى قبل خروجه من مصر من حبسة اللسان. وإلا فقد استجاب الله سؤاله حين دعاه: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي).. وحلت عقدة لسانه فعلاً، وعاد يبين.

وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته، خيراً من موسى -عليه السلام- ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

المَهين بفتح الميم: الذليل الضعيف، أراد أنه غريب ليس من أهل بُيوت الشرف في مصر وليس له أهل يعتزّ بهم، وهذا سفسطة وتشغيب إذ ليس المقام مقام انتصار حتى يحقَّر القائم فيه بقلة النصير، ولا مقامَ مباهاة حتى ينتقص صاحبه بضعف الحال...

وليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم وتذكير حتى تكون قلة الفصاحة نَقْصاً في عمله.

ولكنه مقام استدلال وحجة فيكفي أن يكون قادراً على إبلاغ مراده ولو بصعوبة وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل...