روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ } يعود إليه عليه السلام قطعاً ، وإذ منصوب باذكر ، والمراد من ذكر الزمان ذكر ما وقع فيه أو ظرف لأواب أو لنعم والظرف قنوع لكن يرد على الوجهين أن التقييد يخل بكمال المدح فالأول أولى وهو كالاستشهاد على أنه أواب أي اذكر ما صدر عنه إذ عرض عليه { بالعشى } الخ فإنه يشهد بذلك ، والعشي على ما قال الراغب من زوال الشمس إلى الصباح ، وقال بعض : منه إلى آخر النهار ، والظرفان متعلقان بعرض ، وقوله تعالى : { الصافنات } نائب الفاعل وتأخيره عنهما لما مر غير مرة من التشويق إلى المؤخر ، والصافن من الخيل الذي يرفع إحدى يديه أو رجليه ويقف على مقدم حافرها وأنشد الزجاج

: ألف الصفون فما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كثيراً

وقال أبو عبيدة : هو الذي يجمع يديه ويسويهما وأما الذي يقف على طرف الحافر فهو المتخيم ، وعن التهذيب ومتن اللغة هو المخيم ، وقال القتبي الصافن الواقف في الخيل وغيرها ، وفي الحديث «من سره أن يقوم الناس له صفونا فليتبوأ مقعده من النار » أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد للنابغة

: لنا قبة مضروبة بفنائها *** عتاق المهاري والجياد الصوافن

وقال الفراء : رأيت العرب على هذا وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة والمشهور في الصفوف ما تقدم وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا تكاد تتحقق إلا في العرب الخلص { الجياد } جمع جواد للذكر والأنثى يقال جاد الفرس صار رائضاً يجود جودة بالضم وهو جواد ويجمع أيضاً على أجواد وأجاويد ، وقال بعضهم : هو جمع جود كثوب وأثواب وفسر بالذي يسرع في مشيه ، وقيل هو الذي يجود بالركض ، وقيل : وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية أي إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقعها وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها ، والخيل تمدح بالسكون في الموقف كما تمدح بالسرعة في الجري ، ومن ذلك قول مسلم بن الوليد

: وإذا احتبى قربوسه بعنانه *** علك الشكيم إلى انصراف الزائر

وقيل جيد ككيس ضد الردىء ويجمع على جيادات وجيائد ، وضعف بأنه لا فائدة في ذكره مع { الصافنات } حينئذٍ وبأنه يفوت عليه مدح الخيل باعتبار حاليها وكون الجياد أعم فذكره تعميم بعد تخصيص فيه نظر .

وفي «البحر » قيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق ، وأنا في شك من ثبوته ، قال في «القاموس » : الجيد بالكسر العنق أو مقلده أو مقدمه جمعه أجياد وجيود وبالتحريك طولها أو دقتها مع طول وهو أجيد وهي جيداء وجيدانة جمعه جود اه ، وراجعت غيره فلم أجد فيه زيادة على ذلك فلينقر ، ويمكن أن يقال : أن الجياد جمع شاذ لأجيد أو جيداء أو جيدانة أو هو جمع لجيد بالتحريك كجعل وجمال ويراد بجيد أجيد أو نحوه نظير ما يراد بالخلق المخلوق والله تعالى أعلم ، وأياً ما كان فالوصفان يوصف بهما المذكر والمؤنث من الخيل ، والجمع بألف وتاء لا يخص المؤنث فلا حاجة بعد القول بأن ما عرض كان مشتملاً على ذكور الخيل وإناثها إلى القول بأن في الصافنات تغليب المؤنث على المذكر وأنه يجوز بقلة ، وأريد بالجمع هنا الكثرة فعن الكلبي أن هذه الخيل كانت ألف فرس غزا سليمان عليه السلام دمشق ونصيبين فأصابها .

واستشكلت هذه الرواية بأن الغنائم لم تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح . وأجيب بأنه يحتمل أن تكون فيئاً لا غنيمة ، وعن مقاتل أنها ألف فرس ورثها من أبيه داود وكان عليه السلام قد أصابها من العمالقة وهم بنو عمليق بن عوص بن عاد بن ارم .

واستشكلت هذه زيادة على الأولى بأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون كما جاء في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه محتجاً به في مسألة فدك والعوالي بمحضر الصحابة وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم .

وأجيب بأن المراد بالإرث حيازة التصرف لا الملك ، وعقرها تقرباً على ما في الأوجه في الآية بعد وجاء في بعض الروايات لا يتقضي الملك ، وقال عوف : بلغني أنها كانت خيلاً ذات أجنحة أخرجت له من البحر لم تكن لأحد قبله ولا بعده ، وروي كونها كذلك عن الحسن ، وأخرج ابن جرير وغيره عن إبراهيم التيمي أنها كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة ، وليس في هذا شيء سوى الاستبعاد ، وإذا لم يلتفت إلى الأخبار في ذلك إذ ليس فيها خبر صحيح مرفوع أو ما في حكمه يعول عليه فيما أعلم فلنا أن نقول : هي خيل كانت له كالخيل التي تكون عند الملوك وصلت إليه بسبب من أسباب الملك فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس ، قيل وغفل عن صلاة العصر ، وحكى هذا الطبرسي عن علي كرم الله تعالى وجهه . وقتادة . والسدي ثم قال : وفي روايات أصحابنا أنه فات أول الوقت . وقال الجبائي : لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إذا عرض عليه بالعشي الصافنات} يعني بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم على ثلاث قوائم.

{الجياد} السراع.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعَشِيّ الصّافناتُ الجِيادُ" يقول تعالى ذكره: إنه توّاب إلى الله من خطيئته التي أخطأها.

"إذ عرض عليه بالعشيّ الصافنات": فإذ من صلة أوّاب، والصافنات: جمع الصافن من الخيل، والأنثى: صافنة، والصافن منها عند بعض العرب: الذي يجمع بين يديه، ويثني طرف سُنْبك إحدى رجليه، وعند آخرين: الذي يجمع يديه. وزعم الفراء أن الصافن: هو القائم، يقال منه: صَفَنَتِ الخيلُ تَصْفِن صُفُونا... عن مجاهد، في قول الله: "الصّافِناتُ الجِيادُ "قال: صُفُون الفرس: رَفْعُ إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر...

وأما الجياد، فإنها السّراع، واحدها: جواد.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الصفون لا يكاد يكون في الهجن، وإنما هو في العراب الخلص، وقيل: وصفها بالصفون والجودة، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين: واقفة وجارية، يعني: إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كانت الخيل من أعظم ما زين للناس من حب الشهوات، وكان السياق للعزة والشقاق الدالين على عظيم الاحتياج إلى ما يكف ذلك مما أعظمه الخيل، ذكر فيها آمراً له صلى الله عليه وسلم، دل على أنه مع ما له من عظمة الملك كثير الأوبة عظيمها؛ لأن من لم يكن ذلك له طبعاً لم يقدر على ما فعل فقال: {إذ} أي اذكر لتقف على شاهد ما أخبرناك به حين {عرض عليه بالعشيّ} أي فيما بعد زوال الشمس {الصافنات} أي الخيول العربية الخالصة التي لا تكاد تتمالك بجميع قوائمها الاعتماد على الأرض اختيالاً بأنفسها وقرباً من الطيران بلطافتها وهمتها وإظهاراً لقوتها ورشاقتها وخفتها.

ولما تحرر أنه يجوز أن يجمل الصافن على غير العتيق وإن كان قليلاً، حقق أن المراد الوصف بالجودة واقفة وجارية فقال: {الجياد} أي التي تجود في جريها بأعظم ما تقدر عليه، جمع جواد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

يتعلق {إذْ عُرِضَ} ب {أوَّابٌ}، وتعليق هذا الظرف ب {أوَّابٌ} تعليق تعليل؛ لأن الظروف يراد منها التعليل كثيراً لظهور أن ليس المراد أنه أوّاب في هذه القصة فقط لأن صيغة أوّاب تقتضي المبالغة، والأصل منها الكثرة فتعين أن ذكر قصة من حوادث أوبته كان لأنها ينجَلي فيها عِظم أوبته...

العَرض: الإِمرار والإِحضار أمام الرائِي، أي عرَض سُواس خيله إياها عليه...

وذكر العشي هنا ليس لمجرد التوقيت بل ليبنى عليه قوله: {حتَّى توارتْ بالحجابِ}... {الجِياد}: جمع جواد بفتح الواو وهو الفرس ذو الجَودة، أي النفاسة، وكان سليمان مولَعاً بالإِكثار من الخيل والفرسان، فكانت خيله تعد بالآلاف...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

بما أنّ الملك العادل وصاحب النفوذ عليه أن يمتلك جيشاً قويّاً، والخيول السريعة إحدى الوسائل المهمّة التي يجب أن تتوفّر لدى ذلك الجيش، فقد جاء هذا الوصف في القرآن بعد ذكر مقام سليمان باعتباره نموذجاً من أعماله.