البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

الصافن من الخيل : الذي يرفع إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه ، وقد يفعل ذلك برجله ، وهي علامة الفراهة ، وأنشد الزجاج :

ألف الصفون فما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيرا

وقال أبو عبيدة : الصافن : الذي يجمع يديه ويسويهما ، وأما الذي يقف على طرف السنبك فهو المتخيم .

وقال القتبي : الصافن : الواقف في الخيل وغيرها .

وفي الحديث : « من سره أن يقوم الناس له صفوناً فليتبوأ مقعده من النار » ، أي يديمون له القيام ، حكاه قطرب .

وأنشد النابغة :

لناقبة مضروبة بفنائها *** عتاق المهارى والجياد الصوافن

وقال الفراء : على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة .

جاد الفرس : صار رابضاً ، يجود جودة بالضم ، فهو جواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجواد وأجاويد .

وقيل : الطوال الأعناق من الجيد ، وهو العنق ، إذ هي من صفات فراهتها .

وقيل : الجياد جمع جود ، كثوب وثياب .

{ إذ عرض } ، الناصب لإذ ، قيل : { أواب } ، وقيل : اذكر على الاختلاف في تأويل هذه الآية .

قال الجمهور : عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له ، وقيل : ألف واحد ، فأجريت بين يديه عشياً ، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له ، فقال : ردوها عليّ .

فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر ، فأبد له الله أسرع منها الريح .

وقال قوم ، منهم الثعلبي : كانت بالناس مجاعة ، ولحوم الخيل لهم حلال ، فعقرها لتؤكل على سبيل القربة ، ونحر الهدى عندنا . انتهى .

وفي هذه القصة ألفاظ فيها غض من منصب النبوّة كفينا عنه .