فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ عُرِضَ عَلَيۡهِ بِٱلۡعَشِيِّ ٱلصَّـٰفِنَٰتُ ٱلۡجِيَادُ} (31)

والظرف في قوله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ } متعلق بمحذوف وهو اذكر ، أي اذكر ما صدر عنه وقت عرض الصافنات الجياد عليه { بالعشي } وقيل : هو متعلق بنعم ، وهو مع كونه غير متصرف لا وجه لتقييده بذلك الوقت ، وقيل : متعلق بأواب ، ولا وجه لتقييد كونه أواباً بذلك الوقت ، والعشي : من الظهر أو العصر إلى آخر النهار ، و{ الصافنات } جمع صافن .

وقد اختلف أهل اللغة في معناه ، فقال القتيبي ، والفراء : الصافن في كلام العرب : الواقف من الخيل أو غيرها ، وبه قال قتادة ، ومنه الحديث : «من أحب أن يتمثل له الناس صفونا ، فليتبوأ مقعده من النار » ، أي : يديمون القيام له ، واستدلوا بقول النابغة :

لنا قبة مضروبة بفنائها *** عتاق المهارى والجياد الصوافن

ولا حجة لهم في هذا فإنه استدلال بمحل النزاع ، وهو مصادرة ؛ لأن النزاع في الصافن ماذا هو ؟ وقال الزجاج : هو الذي يقف على إحدى اليدين ، ويرفع الأخرى ، ويجعل على الأرض طرف الحافر منها حتى كأنه يقوم على ثلاث ، وهي : الرجلان ، وإحدى اليدين ، وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه ، وهي علامة الفراهة . وأنشد الزجاج قول الشاعر :

ألف الصفون فما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيرا

ومن هذا قول عمرو بن كلثوم :

تركنا الخيل عاكفة عليه *** مقلدّة أعنتها صفونا

فإن قوله : صفونا لابدّ أن يحمل على معنى غير مجرّد القيام ، لأن مجرّد القيام قد استفيد من قوله : عاكفة عليه . وقال أبو عبيد : الصافن هو : الذي يجمع يديه ، ويسويهما ، وأما الذي يقف على سنبكه ، فاسمه : المتخيم ، والجياد جمع جواد ، يقال : للفرس إذا كان شديدا العدو . وقيل : إنها الطوال الأعناق ، مأخوذ من الجيد ، وهو : العنق ، قيل : كانت مائة فرس ، وقيل : كانت عشرين ألفاً ، وقيل : كانت عشرين فرساً ، وقيل : إنها خرجت له من البحر ، وكانت لها أجنحة .

/خ33