{ هذا فَوْجٌ } جمع كثير من أتباعكم في الضلال .
{ مُّقْتَحِمٌ } راكب الشدة داخل فيها أو متوسط شدة مخيفة { مَّعَكُمْ } والمراد هذا فوج داخل معكم النار مقاس فيها ما تقاسونه ، وهذا حكاية ما تقوله ملائكة العذاب لرؤساء الضلال عند دخول النار تقريعاً لهم فهو بتقدير فيقال لهم عند الدخول هذا الخ .
وفي الكشاف واستظهره أبو حيان أنه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض يخاطب بعضهم بعضاً في شأن أتباعهم يقول هذا فوج مقتحم معكم ، والظرف متعلق بمقتحم ، وجوز فيه أن يكون نعتاً ثانياً لفوج أو حالا منه لأنه قد وصف أو من الضمير المستتر فيه ، ومنع أبو البقاء جواز كونه طرفاً قائلاً : إنه يلزم عليه فساد المعنى وتبعه الكواشي وصاحب الأنوار . وتعقبه صاحب الكشف بأنه إن كان الفساد لانبائه عن تزاحمهم في الدخول وليس المعنى على المزاحمة بين الفريقين الأتباع والمتبوعين ونهم بعد الدخول يقولون ذلك لا عند المزاحمة غير لازم لأن الاقتحام لا ينبئ عن التزاحم ولا هو لازم له وإنما مثل ضربت معه زيداً ينبئ عن المشاركة في الضرب والمقارنة فكذلك اقتحام المتبوعين النار مع الأتباع ينبئ عن المشاركة في ركوب كل من الطائفتين قحمة النار ومقاساة شدتها في زمان متقارب عرفاً ، ولو قيل هذا فوج معكم مقتحمون لم يفد أن المخاطبين أيضاً كذلك وفسد المعنى المقصود ، والعجب ممن جوز أن يكون حالاً من ضمير { مُّقْتَحِمٌ } ولم يجوز أن يكون ظرفاً وإن كان بغير ذلك فليفد أولاً ثم ليعترض انتهى ، وقال بعضهم : إن وجه فساد الظرفية دون الحالية أنه ليس المراد أنهم اقتحموا في الصحبة ودخلوا فيها بل اقتحموا في النار مصاحبين لكم ومقارنين إياكم ، وهو كلام فاسد لا محصل له لأن مدلول مع المعبر عنه بالصحبة معناه الاجتماع في التلبس بمدلول متعلقها فيفيد اشتراك الطائفتين في الاقتحام لا في الصبحة كما توهمه ولا يدل على اتحاد زمانيهما كما صرح به في المغنى ، ولو سلم فهو لتقاربه عد متحدا كما أشير في عبارة الكشف إليه فالحق أنه لا فساد ، وقوله تعالى : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } دعاء من المتبوعين على أتباعهم سواء كان قائل ما تقدم الملائكة عليهم السلام أو بعض الرؤساء لبعض أو صفة لفوج أو حال منه لوصفه أو من ضميره ، وأياً ما كان يؤول بمقول لهم لا مرحباً لأنه دعاء فهو إنشاء لا يوصف به ، وكذا لا يكون حالاً بدون تأويل ، والمعنى على استحقاقهم أن يقال لهم ذل لا أنهم قيل لهم ذلك بالفعل ، وهو على الوصفية والحالية من كلام الملائكة عليهم السلام إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء ، وجوز كونه ابتداء كلام منهم و { مَرْحَباً } من الرهب بضم الراء وهو السعة ومنه الرحبة للفضاء الواسع وهو مفعول به لفعل واجب الإضمار و { بِهِمُ } بيان للمدعو عليهم ، وتكون الباء للبيان كاللام في نحو سقياً له ، وكون اللام دون الباء كذلك دعوى من غير دليل أي ما أتوا بهم رحباً وسعة ، وقيل : الباء للتعدية فمجرورها مفعول ثان لأتوا وهو مبني على زعم أن اللام لا تكون للبيان ، وكفى بكلام الزمخشري وأبي حيان دليلاً على خلافه ، ويقال : مرحباً بك على معنى رحبت بلادك رحباً كما يقال على معنى أتيت رحباً من البلاد لا ضيقاً ؛ ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يكون { مَرْحَباً } مفعولاً مطلقاً لمحذوف أي لارحبت بهم الدار مرحباً ، والجمهور على الأول ، وأياً ما كان فالمراد بذلك مثبتاً الدعاء بالخير ومنفياً الدعاء بالسوء . { إِنَّهُمْ صَالُو النار } تعليل من جهة الملائكة لاستحقاقهم الدعاء عليهم أو وصفهم بما ذكر أو تعليل من الرؤساء لذلك ، والكلام عليه يتضمن الإشارة إلى عدم انتفاعهم بهم كأنه قيل : إنهم داخلون النار بأعمالهم مثلنا فأي نفع لنا فلا مرحباً بهم .
قوله تعالى : { هذا فوج مقتحم معكم } قال ابن عباس : هذا هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للكفار . هذا يعني : الأتباع ، فوج : جماعة مقتحم معكم النار ، أي : داخلوها كما أنتم دخلتموها ، والفوج : القطيع من الناس وجمعه أفواج ، والاقتحام الدخول في الشيء رمياً بنفسه فيه ، قال الكلبي : إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار ، خوفاً من تلك المقامع ، فقالت القادة : { مرحباً بهم } يعني : بالأتباع ، { إنهم صالوا النار } أي : داخلوها كما صلينا .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"هَذَا فَوْجٌ": هذا فرقة وجماعة مقتحمة معكم أيها الطاغون النار، وذلك دخول أمة من الأمم الكافرة بعد أمة، "لا مرحبا بهم"، وهذا خبر من الله عن قيل الطاغين الذين كانوا قد دخلوا النار قبل هذا الفوج المقتحِم للفوج المقتحَم فيها عليهم، "لا مرحبا بهم"، ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد...
ويعني بقولهم: "لا مَرْحَبا بِهِمْ": لا اتّسعت بهم مداخلُهم...
وقوله: "إنّهُمْ صَالُوا النّارِ "يقول: إنهم واردو النار وداخلوها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
الفوج: القطيع من الناس وجمعه أفواج.
والاقتحام الدخول في الشيء رمياً بنفسه فيه، قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار، خوفاً من تلك المقامع...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ}: هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، أي: دخل النار في صحبتكم وقرانكم.
الاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة: الشدة، وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض.
اعلم أنه تعالى لما وصف مسكن الطاغين ومأكولهم، حكى أحوالهم الذين كانوا أحباء لهم في الدنيا أولا، ثم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا ثانيا...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{هذا} أي قال أطغى الطغاة لما دخلوها أولاً كما هم أهل له؛ لأنهم ضالون مضلون ورأوا جمعاً من الأتباع داخلاً عليهم: هذا {فوج} أي جماعة كثيفة مشاة مسرعون، ولما كانوا يدخلونها من شدة ما تدفعهم الزبانية على هيئة الواثب قال مشيراً بالتعبير بالوصف مفرداً إلى أنهم في الموافقة فيه والتسابق كأنهم نفس واحدة: {مقتحم} أي رام بنفسه في الشدة بشدة فجاءة بلا روية كائناً {معكم}.
ولما كان أهل النار يؤذي بعضهم بعضاً بالشهيق والزفير والزحام والدفاع والبكاء والعويل وما يسيل من بعضهم على بعض من القيح والصديد وغير ذلك من أنواع النكد، ولا سيما إن كانوا أتباعاً لهم في الدنيا، فصاروا مثلهم في ذلك الدخول في الرتبة، لا يتحاشون عن دفاعهم وخصامهم ونزاعهم، قالوا استئنافاً: {لا مرحباً} ثم بينوا المدعو عليه فقالوا: {بهم} وهي كلمة واقعة في أتم مواقعها؛ لأنها دالة على التضجر والبغضة مع الصدق في أهل مدلولها الذي هو مصادقة الضيق، مفعل من الرحب مصدر ميمي وهو السعة، أي لا كان بهم سعة أصلاً ولا اتسعت بهم هذه الأماكن ولا هذه الأزمان ولا حصلت لهم ولا بهم راحة، ولذلك عللوا استحقاقهم لهذا الدعاء بقولهم مؤكدين لما كان استقر في نفوسهم وتطاول عليه الزمان من إنكارهم له: {إنهم صالوا النار} أي ومن صليها صادف من الضيق ما لم يصادفه أحد وآذى كل من جاوره...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار: فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم، كانت في الدنيا متوادة متحابة، فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم، كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون:
(أأنزل عليه الذكر من بيننا؟).. ها هم أولاء يقتحمون النار فوجاً بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض: (هذا فوج مقتحم معكم).. فماذا يكون الجواب؟ يكون الجواب في اندفاع وحنق: (لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار)!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يقولون مشيرين إلى فوج من أهل النار أُقحم فيهم لَيسوا من أكفائهم ولا من طبقتهم وهم فوج الأتباع من المشركين، الذين اتبعوا الطاغين في الحياة الدنيا، وذلك ما دل عليه قوله: {أنتم قدمتموه لنا}،وأوضحُ من ذلك قوله تعالى في آخر هذه الآية {إنَّ ذلك لحقٌّ تخاصم أهلِ النَّارِ}.
الرحب في هذا كله: السعة المجازية، وهي الفرح ولقاء المرغوب في ذلك المكان بقرينة أن نفس السعة لا تفيد الزائد، وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم كرهوا أن يكونوا هم وأتباعهم في مكان واحد جرياً على خلق جاهليتهم من الكبرياء واحتقار الضعفاء...