اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

قوله : { هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } مفعول «مقتحم » محذوف أي مُقْتَحِمٌ النار ، والاقتحام الدخول في الشيء بشدة والقُحْمةُ الشدة . وقال الراغب : الاقتحام توسط شدة مخيفة ومنه قَحَمَ الفرسُ فارسَه أي توغل به ما يخاف منه ، والمقاحيم الذين يقتحمون في الأمر الذي يتجنب .

قوله : { مَعَكُمْ } يجوز أن يكون نعتاً ثانياً «لِفَوْجٍ » وأن يكون حالاً منه لأنه قد وصف وأن يكون حالا من الضمير المستتر في «مُقْتَحِمٌ » . قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون طرفاً لفساد المعنى ، قال شهاب الدين : ولَمْ أدرِ من أي وجه يفسد والحالية والصفة في المعنى كالظرفي ، وقوله : «هَذَا فَوْجٌ » إلى «النار » يجوز أن يكون من كلام الرؤساء بعضهم لبعض بدليل قول الأتباع «لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوه لَنَا » وأن يكون من كلام الخَزَنَة ، ويجوز أن يكون «هَذَا فَوجٌ » من كلام الملائكة والباقي من كلام الرؤساء . وكان القياس على هذا أن يقال : بَلْ هُمْ لا مرحباً بهم لا يقولون للملائكة ذلك إلا أنهم عدلوا عن خطاب الملائكة إلى خطاب أعدائهم تشفياً منهم . والمعنى هنا جمع كثيف وقد اقتحم معكم النار كما كانوا قد اقتحموا معكم في الجهل والضلال ، والفَوْجُ القطيعُ من النَّاسِ وجمعه أفواجٌ .

قوله : { لا مرحبا } في «مرحباً » وجهان :

أظهرهما : أنه مفعول بفعل مقدر أي لا أتيتم مرحباً أو لا سمعتم مرحباً .

والثاني : أنه منصوب على المصدر . قاله أبو البقاء أي لا رَحُبَتكُمْ دارُكُمْ مَرْحَباً بل ضِيقاً ، ثم في الجملة المنفية وجهان :

أحدهما : أنها مستأنفة سِيقَتْ للدعاء عليهم ، وقوله : «بِهِمْ » بيان للمدعُوِّ عليهم .

والثاني : أنها حالية ، وقد يعترض عليه بأنه دعاء والدعاء طلب ، والطلب لا يقع حالاً والجواب أنه على إضمار القول أي مقولاً لهم لا مرحباً . قال المفسرون قوله تعالى : { لاَ مَرْحَباً بهم } دعاء منهم على أتباعهم يقول الرجل لمن يدعو له : مرحباً أي أتيت رَحْباً من البلاد لا ضيقاً أو رَحُبَتْ بلاَدُكَ رَحْباً ، ثم تدخل عليه كلمة «لا » في دعاء النفي .

قوله : { إِنَّهُمْ صَالُو النار } تعليل لاستجابة الدعاء عليهم . ونظير هذه الآية قوله : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ]