روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

{ وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة } بالتخفيف وقرأ نافع بالتشديد ، و { ءايَةً } خبر مقدم للاهتمام وتنكيرها للتفخيم و { لَهُمْ } إما متعلق بها لأنها بمعنى العلامة أو متعلق بمضمر هو صفة لها وضمير الجمع لكفار أهل مكة ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر ، و { الارض } مبتدأ و { الميتة } صفتها ، وقوله تعالى : { أحييناها } استئناف مبين لكيفية كونها آية ، وقيل في موضع الحال والعامل فيها آية لما فيها من معنى الاعلام وهو تكلف ركيك ، وقيل { ءايَةً } مبتدأ أول و { لَهُمْ } صفتها أو متعلق بها وكل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة و { الارض الميتة } مبتدأ ثان وصفة وجملة { أحييناها } خبر المبتدأ الثاني وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط ، قال الخفاجي : وهذا حسن جداً إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن ، وقيل إنها مؤولة بمدلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك ولا يخفى بعده ، وقيل { ءايَةً } مبتدأ و { الارض } خبره وجملة { أحييناها } صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة ، ونظير ذلك قوله

: ولقد أمر على اللئيم يسبني *** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

وأنكر جواز ذلك أبو حيان مخالفاً للزمخشري . وابن مالك في التسهيل وجعل جملة يسبني حالاً من اللئيم ، وأنت تعلم أن المعنى على استمرار مروره على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال : أمر وعطف عليه فمضيت والتقييد بالحال لا يؤذي هذا المؤدي ، ثم إن مدار الخبرية إرادة الجنس فليس هناك أخبار بالمعرفة عن النكرة ليكون مخالفاً للقواعد كما قيل نعم أرجح الأوجه ما قرر أولاً وقد مر المراد بموت الأرض وأحيائها فتذكر .

{ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً } أي جنس الحب من الحنطة والشعير والأرز وغيرها ، والنكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه ، وفي ذكر الإخراج وكذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الإحياء { فَمِنْهُ } أي من الحب بعد إخراجنا إياه ، والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعالق بقوله تعالى { يَأْكُلُونَ } والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

{ 33 - 36 } { وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } .

أي : { وَآيَةٌ لَهُمُ } على البعث والنشور ، والقيام بين يدي اللّه تعالى للجزاء على الأعمال ، هذه { الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ } أنزل اللّه عليها المطر ، فأحياها{[754]}  بعد موتها ، { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } : من جميع أصناف الزروع ، ومن جميع أصناف النبات ، التي تأكله أنعامهم .


[754]:- كذا في ب، وفي أ: فأصابها.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وعظ كفار مكة فقال عز وجل: {وآية لهم}:علامة لهم.

{الأرض الميتة أحييناها} بالمطر فتنبت.

{وأخرجنا منها حبا}: البر والشعير الحبوب كلها {فمنه يأكلون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قُدرة الله على ما يشاء، وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد فنائه، كهيئته قبل مماته إحياؤه الأرض الميتة، التي لا نبت فيها ولا زرع بالغيث الذي ينزله من السماء حتى يخرج زرعها، ثم إخراجه منها الحبّ الذي هو قوت لهم وغذاء، فمنه يأكلون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فيه آية يُحتاج إلى أن يستخرج منها الحكمة، وهو ما ذكر {وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون} أنه لما أخرج من الأرض حبا، وجعل غذاءهم فيه من غير أن يستوجبوا ذلك منه، دل أنه إنما جعل ليمتحنهم بأنواع المحن على علم منه أن منهم من يشكر، ومنهم من يكفر، وقد سوّى بينهم في هذه بين الكافر منهم وبين الشاكر، فلا بد من دار أخرى، فيها يقع التمييز بينهم: الثواب للشاكر، والعقاب للكافر.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لمَّا كان أمرُ البعث أعظمَ شُبَهِهِمْ، وكَثُرَ فيه إنكارُهم كان تكرارُ الله سبحانه لحديث البعث، وقد ضَرَبَ -سبحانه- المَثَلَ له بإحياء الأرض بالنبات في الكثير من الآيات...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} بتقديم الظرف للدلالة على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش، ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضرّ، وإذا فقد جاء الهلاك ونزل البلاء.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وآية}:علامة على الحشر وبعث الأجساد، والضمير في {لهم} يراد به كفار قريش...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{وآية لهم الأرض الميتة أحييناها} وبدأ بالأرض لأنها مستقرهم حركة وسكوناً، حياة وموتاً. وموت الأرض جدبها، وإحياؤها بالغيث.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وآية} أي: علامة عظيمة {لهم} على قدرتنا على البعث وإيجادنا له.

{الأرض} أي:هذا الجنس الذي هم منه، ثم وصفها بما حقق وجه الشبه فقال: {الميتة} التي لا روح لها؛ لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفني، فتفتت وصار تراباً أو لم يكن بها شيء أصلاً.

ثم استأنف بيان كونها آية بقوله: {أحييناها} أي:باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله.

ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال: {وأخرجنا منها حباً} ونبه تعالى على عظيم القدرة فيها وعلى عموم نفعها بمظهر العظمة، وزاد في التنبيه بالتذكير بأن الحب معظم ما يقيم الحيوان، فقال مقدماً للجار إشارة إلى عد غيره بالنسبة إليه عدماً لعظيم وقعه وعموم نفعه بدليل أنه متى قل جاء القحط ووقع الضرر.

{فمنه} أي:بسبب هذا الإخراج.

{يأكلون} أي:فهو حب حقيقة يعلمون ذلك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، لا يقدرون على أن يدعوا أن ذلك خيال سحري بوجه، وفي هذه الأية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله وكماله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على قصة {واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية} [يس: 13] فإنه ضرب لهم مثلاً لحال إعراضهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما تشتمل عليه تلك الحال من إشراك وإنكار للبعث وأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وعاقبة ذلك كله. ثم أعقب ذلك بالتفصيل لإِبطال ما اشتملت عليه تلك الاعتقادات من إنكار البعث ومن الإِشراك بالله.

وابتدىء بدلالة تقريب البعث لمناسبة الانتقال من قوله: {وإن كُلٌّ لَما جَمِيعٌ لدينا مُحْضَرُون} [يس: 32] على أن هذه لا تخلو من دلالتها على الانفراد بالتصرف، وفي ذلك إثبات الوحدانية.

و {وءَايَةٌ} مبتدأ و {لَّهُمُ} صفة {آية}، و {الأرْضُ} خبر {آية}، و {المَيْتَةُ} صفة {الأرْضُ}. وجملة {أحْيَيْناهَا} في موضع الحال من {الأرْضُ} وهي حال مقيدة؛ لأن إحياء الأرض هو مناط الدلالة على إمكان البعث بعد الموت، أو يكون جملة {أحْيَيْناها} بياناً لجملة {آية لهم الأرض} لبيان موقع الآية فيها، أو بدل اشتمال من جملة {آية لهم الأرض}، أو استئنافاً بيانياً كأنّ سائلاً سأل: كيف كانت الأرض الميتة؟

وقرأ نافع وأبو جعفر {المَيِّتَةُ} بتشديد الياء. وقرأ الباقون بتخفيف الياء، والمعنى واحد وهما سواء في الاستعمال.

والحبّ: اسم جمع حبّة، وهو بَزرة النبت مثل البُرّة والشعيرة. وقد تقدم عند قوله تعالى: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} في سورة البقرة (261).

وإخراج الحب من الأرض: هو إخراجه من نباتها فهو جاء منها بواسطة. وهذا إدماج للامتنان في ضمن الاستدلال ولذلك فرّع عليه {فَمِنْهُ يأكلون.} وتقديم {منه} على {يأكُلُونَ} للاهتمام تنبيهاً على النعمة ولرعاية الفاصلة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تنكير {آية}، إشارة إلى عظمة وأهميّة ووضوح تلك الآية التوحيدية.

جملة {فمنه يأكلون} إشارة من جانب إلى أنّ الإنسان يستفيد من بعض بذور النباتات للتغذية، بينما بعضها غير قابل للأكل، ولكن له فوائد اُخرى كتغذية الحيوانات، وصناعة الأصباغ، والأدوية، والأمور الاُخرى التي لها أهميّة في حياة الإنسان. ومن جانب آخر فإنّ تقديم {منه} على {يأكلون} والذي يدلّ عادةً على الحصر، هو لبيان أنّ أكثر وأفضل تغذية للإنسان هي من المواد النباتية إلى درجة أنّه يمكن القول أنّ جميع غذاء الإنسان يتشكّل منها.