قوله : { وَآيَةٌ } : خبر مقدم و { لَهُمْ } صفتها أو متعلقة «بآية » ؛ لأنها بمعنى :{[46109]} علامة . و { الأرض }مبتدأ{[46110]} . وتقدم تخفيف { الميتة } وتشديدها{[46111]} في أول ( آل ){[46112]} عمران{[46113]} .
ومنع أبو حيان أن يكون { لهم } صفة لآية ولم يبين{[46114]} وَجْهَهُ ولا وجه له ، وأعرب أبو البقاء { آية } مبتدأ و { لهم } الخبر و { الأرض الميتة } مبتدأ وصفته و { أَحْيَيْنَاها } خبره ، والجملة مفسرة «لآيةٍ »{[46115]} .
وبهذا بدأ ثم قال{[46116]} : وقيل ؛ فذكر الوجه الأول وكذلك حكى مَكِّيٌّ أعني أن تكون { آية } ابتداء{[46117]} و { لهم } الخبر ، وجوز مكي أيضاً أن تكون { آية } مبتدأ{[46118]} ، و{ الأرض } خبره ، وهذا ينبغي أن لا يجوز ؛ لأنه لا يُتْرَكُ المعرفة من الابتداء بها ويبتدأ بالنَّكِرَة إلاَّ في مَوَاضِعَ للضَّرُورَةِ{[46119]} .
قوله : { أحييناها } تقدم أنه يجوز أن يكون خبر{[46120]} { الأَرْضِ }ويجوز أيضاً أن يكون حالاً من { الأَرْضِ } ، إذا جعلناها مبتدأ و { آية } خبر{[46121]} مقدم . وجوز الزمخشري في { أَحْيَيْنَاهَا } وفي { نَسْلخُ } أن يكونا صفتين للأرض والليل ، وإن كانا معرفين بأل لأنه تعريف بأل الجنسيَّة فهما في قوة النكرة{[46122]} قال كقوله :
4180- وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[46123]}
لأنه لم يقصد لئيماً بعينه ، ورده أبو حيان بأن فيه هدماً للقواعد من أنّه لا تنعت المعرفة بنكرة{[46124]} . قال : وقد تبعه ابنُ مالك{[46125]} . ثم خرج أبو حيان الحمل على الحال أي : الأرض مُحْيَاةً والليل مُنْسَلِخاً منه النهار واللئيم شاتماً لي{[46126]} ، قال شهاب الدين : وقد اعتبر النحاة{[46127]} ذلك في مواضع فاعتبروا معنى المعرف بأل الجنسية دون لفظه فَوَصَفُوهُ بالنَّكرة الصَّرِيحَة ، نحو : يا لرجل خير منك على أحد الأوجه . وقوله : { إِلاَّ الذين } [ العصر : 3 ] بعد { إِنَّ الإنسان } [ العصر : 3 ] وقوله : { أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ } [ النور : 31 ] و «أهْلَكَ النَّاسُ الدِّينَارُ الحُمْرُ والدِّرْهَمُ البيضُ »{[46128]} . كل هذا ما روعي فيه المعنى دون اللفظ ، وإن اختلف نوع المراعاة ، ويجوز أن يكون { أحْيَيْنَاهَا } استئنافاً بين{[46129]} به كونَها آيةً .
وجه التعلق بما قبله من وجهين :
أحدهما : أنه لما قال : { وإن كل لما جميع } كان ذلك ( إشارة ){[46130]} إلى الحشر فذكر ما يدل على إمكانه قطعاً لإنكارهم واستبعادهم وإصرارهم وعنادهم فقال : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا } كذلك يُحْيِي المَوْتَى{[46131]} .
وثانيهما : أنه لما ذكر حال المرسلين وإهلاك المكذِّبين وكان شُغْلُهم التوحيد ذكر ما يدل عليه وبدأ بالأرض لكونها مكانَهم لا مفارقة لهم منها عند الحركة{[46132]} والسكون .
فإن قيل : الأرض آية مطلقة فلم خصها بهم حيث قال : { وآيَةٌ لَهُمْ } ؟ .
فالجواب : الآية تعدد وتردد{[46133]} لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه . أما من عرف الشيء بطريق الرؤية لا يذكر له دليل فالنبي - عليه
( الصلاة و السلام )- وعباد الله المخلصين عرفوا الله قبل الأرض والسماء ، فليست الأرض معرفة لهم وهذا كما قال الله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ } [ فصلت : 53 ] وقال : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] يعني : أنت كفاك الله معرفاً به عرفت كل شيء فهو شهيدٌ لك على كل شيء . وأما هؤلاء نبين{[46134]} لهم الحق بالآفاق والنفس ، وكذلك ها هنا الأرض آية لهم ، فإن قيل : إن قُلْنا :الآية مذكورة للاستدلال على جَوَاز إحياء المَوْتَى فيكفي قوله : { أحْيَيْنَاهَا } ولا حاجة إلى قوله : { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً } وغير ذلك وإن قلنا : إنه للاستدلال على وجود الإله ووحدانيته فلا فائدة في قوله : { الأرض الميتة } فقوله : { الميتة أَحْيَيْنَاهَا } كافٍ في التوحيد فما فائدة قوله : { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً } ؟ فالجواب : هي مذكورة للاستدلال عليها ولكلّ ما ذكره الله تعالىً فائدة أما فائدة قوله : { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّا } فهو بالنسبة إلى بيان إحياء الموتى ؛لأنه لما أحيا الأرض وأخرج منها حباً كان ذلك إحياء تامًّا ؛لأن الأرض المُخْضرَّة التي{[46135]} لا تنبت الزرع ولا تخرج الحَبَّ دون ما تنبته الحياةُ ، فكأنه تعالى قال : الذي أحيا الأرض إحياء كاملاً منبتاً للزّرع يحيي الموتى إحياء كاملاً بحيث يدري الأمور . وأما بالنسبة إلى التوحيد فلأن فيه تقرير النعمة ، كأنه يقول : آية لهم الأرضُ فإنها مكانُهم ومَهْدُهُم الذي فيه تحريكهم وإسكانهم والأمر الضروري الذي عنده وجودهم وإمكانهم وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم لا بد لهم منها في نعمة ثم إحياؤها نعمة ثانية فإنها تصير أحسن{[46136]} وأنزه ثم إخراج الحبِّ منها نعمة ثالثة فإن قوتهم تصير في مكانهم ، وكان يمكن أن يجعل رزقهم في السماء أو الهواء فلا يحصل لهم الوُثُوقُ ، ثم جعل الحياة منها نعمة رابعة لأن الأرض تنبت الحَبَّ في كل سنة والأشجار{[46137]} بحيث يوجد{[46138]} منها الثِّمار فيكون بعد الحبِّ وجوداً ثم فجر منها العيون ليحصل لهم الاعتمال بالحصول ولو كان ماؤها من السماء لحصل ولكن لم يعلم أنها أين تغرس{[46139]} وأين ( يقع ){[46140]} المطر .
المعنى :{ أَحْيَيْنَاها } بالمطر { وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا } يعني :الحِنْطَة والشعير وما أشبههما { فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } أي :من الحب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.