الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

قوله : { وَآيَةٌ } : خبرٌ مقدمٌ و { لهم } صفتُها أو متعلِّقَةٌ ب { آية } ؛ لأنها بمعنى علامة . و { الأرضُ } مبتدأ . وتقدَّم تخفيف الميتة وتشديدُها في أول آل عمران . ومنع الشيخُ أَنْ تكونَ { لهم } صفةً ل { آية } ولم يُبَيِّن وجهَه ولا وَجَّهَ له . وأعرب أبو البقاء { آية }مبتدأً و { لهم } الخبرُ و { الأرضُ الميتةُ } مبتدأٌ وصفتُه ، و { أَحْييناها } خبرُه . والجملةُ مفسِّرَةٌ ل{ آية } وبهذا بدأ ثم قال : وقيل : فذكر الوجهَ الذي بدأْتُ به . وكذلك حكى مكي أعني أَنْ يكونَ { آية } ابتداءً ، و { لهم }الخبر . وجَوَّز مكي أيضاً أن تكونَ{ آية }مبتدأً و { الأرضُ }خبرُه . وهذا ينبغي أَنْ لا يجوزَ ؛ لأنه لا تُعْزَلُ المعرفةُ من الابتداءِ بها ، ويُبْتَدأ بالنكرة إلاَّ في مواضعَ للضرورةِ .

قوله : { أَحْيَيْناها } قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ{ الأرض } ، ويجوزُ أيضاً أَنْ يكونَ حالاً من { الأرض } إذا جَعَلْناها مبتدأً ، و{ آية }خبرٌ مقدمٌ . وجَوَّزَ الزمخشريُّ في{ أَحْيَيْناها } وفي { نَسْلَخُ } أَنْ يكونا صفتين للأرض والليل ، وإن كانا مُعَرَّفين بأل لأنه تعريفٌ بأل الجنسيةِ ، فهما في قوةِ النكرة قال : كقوله :

3784 ولقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لأنه لم يَقْصِدْ لئيماً بعينه .

وردَّه الشيخُ : بأنَّ فيه هَدْماً للقواعد : مِنْ أنه لا تُنْعَتُ المعرفةُ بنكرةٍ . قال : وقد تبعه على ذلك ابنُ مالك . ثم خَرَّج الشيخُ الجملَ على الحال أي : الأرضُ مُحْياةً والليلُ مُنْسَلِخاً منه النهارُ ، واللئيمُ شاتماً لي . قلت : وقد اعتبر النحاةُ ذلك في مواضع ، فاعتبروا معنى المعرَّفِ بأل الجنسيةِ دونَ لفظِه فوصفوه بالنكرة الصريحةِ نحو : " بالرجلِ خيرٍ منك " على أحد الأوجه ، وقوله : { إِلاَّ الَّذِينَ } [ العصر : 3 ] بعد { إِنَّ الإِنسَانَ } [ العصر : 2 ] وقوله : { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ } [ النور : 31 ] و " أهلك الناسَ الدينارُ الحمرُ والدرهمُ البيض " . كلُ هذا رُوعي فيه المعنى دونَ اللفظ ، وإن اختلف نوعُ المراعاةِ . ويجوز أن يكون { أحييناها } استئنافاً بَيَّن به كونَها آية .